واختُلِف فيمن مات صغيرًا؛ والأصح: أنه في الجنة؛ لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.
والحاصل: أن الإنسان مفطور على قبول الإسلام والتهيؤ له بالقوة، لكن لا بد من أن يتعلَّمه بالفعل؛ فإنه قبل التعلُّمِ جاهلٌ؛ كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} فمَنْ هداهُ. . سبَّبَ له مَنْ يُعلمه الهدى، فصار مهديًا بالفعل بعد أن كان مهديًا بالقوة، ومن خذَلَهُ -والعياذ باللَّه-. . قيَّض له مَنْ يعلمه ما يغير فطرته، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه.
أنكر بعض فقهاء العراق الدعاء للعاطس (?) بـ (يهديكم اللَّه) ظنًا منهم أن الدعاء بالهداية للمسلم تحصيلٌ للحاصل، وليس كما زعموا، سيما والسُّنة الصحيحة آمِرةٌ بذلك، وأمر صلى اللَّه عليه وسلم عليًا رضي اللَّه تعالى عنه أن يسأل اللَّه السَّداد والهدى (?)، وعلَّم الحسن أن يقول في القنوت: "اللهم؛ اهدني فيمن هديت" (?)، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يقول في دعائه بالليل: "اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ" (?) وليس المراد بالهداية هنا الهداية لِمَا هو متلبسٌ به من الإسلام والإيمان، بل لمعرفة تفاصيل أجزائهما ومتمماتهما، وإعانته على فعل ذلك، وهذا كل مؤمنٍ محتاجٌ إليه ليلًا ونهارًا، ومن ثَمَّ أمر اللَّه تعالى عباده أن يسألوه ذلك في كل ركعةٍ من صلاتهم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
قيل: وفي هذه الجملة دليل لقول أهل الحق: إن الهداية والضلال من خَلْق اللَّه تعالى وإيجاده، لا دخل للعبد في واحدٍ منهما، خلافًا للمعتزلة؛ قال تعالى: