جاءت به الرسل على المعنى الأول؛ قال اللَّه تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}، أو للخروج عن مقتضى طبعه إلى النظر المؤدِّي إلى معرفة اللَّه تعالى، وامتثال ما جاء من عنده على المعنى الثاني.
وبيانه: أنه في تعالى خلق النفوس بقواها وطباعها، وما أرصد لها من الأهواء والشياطين مائلةً إلى الضلال، فمن أراد ضلالَه. . أرسله على سجيته، وتخلَّى عنه، ومن أراد هدايته. . عارضه بأسباب الهدى، فصدَّه عن الضلال فاهتدى، فينبغي لمن رأى عنده آثار هدًى أن يعلم أنه من اللَّه تعالى؛ حتى يزداد شكره وحمده؛ ليزداد هداه بصادق وعد قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} وعلى كِلا ذينكَ المعنيين: فلا ينافي ذلك قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "كل مولودٍ يولد على الفطرة" (?) لأن ذلك ضلالٌ طارئٌ على، الفطرة الأُولى، كما يرشد إليه ما روي: "خلق اللَّه تعالى الخلق على معرفته، فاغتالتهم الشياطين" (?).
هذا واختلف، في المراد بالفطرة هنا، فقيل: هي ما أُخذ عليهم في أصلاب آبائهم، فتقع الولادة عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين، وقيل: ما قضي على المولود من سعادةٍ أو شقاوةٍ، فيصير إليها، وبه صرح ابن المبارك فقال: يولد على ما يصير إليه من له سعادة أو شقاوة، فمن علم اللَّهُ تعالى أنه يصير مسلمًا. . ولد على فطرة الإسلام، ومن علم أنه يصير كافرًا. . ولد على الكفر، وقيل: معرفة اللَّه تعالى والإقرار به وإن عبد معه غيره.
والأصح: أن معناه: أن كل مولودٍ يولد متهيئًا للإسلام، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلمًا. . استمرَّ عليه في أحكام الدنيا والآخرة، وإن كانا كافرين. . جرى عليه حكمهما، فيتبعهما في أحكام الدنيا، وهذا معنى قوله: "فيهودانه، وينصرانه، ويمجسانه" أي: يحكم له بحكمهما في الدنيا، فإذا بلغ مستمرًا على الكفر. . حكم له به (?).