(والصبر) وهو لغة: الحبس، ومنه: قَتْلُ الصبرِ، وشرعًا: حبس النفس على العبادات ومشاقِّها والمصائب وحرارتها، وعن المنهيات والشهوات ولذاتها، وأفضل أنواعه الأخير (?)، فالأول؛ لخبر ابن أبي الدنيا وابن جرير، لكن بإسنادٍ ضعيفٍ: "إن الصبر على المصيبة يكتب به للعبد ثلاث مئة درجة، وإن الصبر على الطاعة يكتب به للعبد ست مئة درجة، وإن الصبر عن المعاصي يكتب له به تسع مئة درجة" (?).
(ضياء) فيه ما في (نور) (?) ومنه: أن معنى كونه ضياء: أن صاحبه لا يزال مستضيئًا بنور الحق على سلوك سبيل الهداية والتوفيق، مستمرًا في مضايق اضطراب الآراء على تحري الصواب؛ لما عنده من ضياء المعارف والتحقيق، أو أنه يضيء طرق الأعمال، وعواقب ما يترتَّب عليها من الأحوال، فيكون على غايةٍ من الاستقامة والسداد، ونهايةٍ من الخلوص من الشوائب والاستعداد، فيظفر بمطلوبه، ويحصل من محبة اللَّه وقربه وجوده ولطفه على مرغوبه؛ كما قيل: [من البسيط]
وقلَّ مَنْ جدَّ في أمرٍ يطالبه ... واستعمل الصبرَ إلا فاز بالظَّفرِ
وللعارفين فيه عباراتٌ مآلها إلى معنًى واحد؛ نحو: الثبات على الكتاب والسنة، والوقوف مع البلاء بحسن الأدب، ألَّا يعترض على المقدور، فلا ينافيه إظهار البلاء لا على وجه الشكوى؛ قال اللَّه تعالى في أيوب صلَّى اللَّه على نبينا وعليه وسلَّم: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} مع أنه قال: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ}.
فإن قلتَ: ما حكمة جعل الصلاةِ نورًا، والصبرِ ضياءً؟ وهلَّا انعكس الأمر؛ فإن الضياء أعلى من النور كما يدل عليه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} مع ما هو مقررٌ: أن نوره مستمدٌّ من نورها، فلكونها أنورَ منه كما هو مشاهدٌ جُعلت ضياءً، ولكونه دونها جُعل نورًا، ولا شك أن الصلاة أفضل من الصبر؟
قلت: حكمة ذلك -واللَّه أعلم-: أن الصبر هو الأساس المبني عليه سائر