ادعاء أن جنس ذلك الحمد يملأ الميزان عرِيًّا عن النظر لثوابه حتى يكون ثوابه مالئًا لها أيضًا؟!
والأَولى أن يقال في حكمة ذلك: إن حمده سبحانه وتعالى فيه إثبات لسائر صفات كماله، فبسبب ذلك عظم ثوابه عظمةً حتى ملأ الميزان بتقدير تَجَسُّمِه، أو باعتبار صحيفته كما يأتي.
وهو مفعال من الوزن (?)، قلبت واوه ياءً لانكسار ما قبلها؛ كميعاد.
وفيه (?) -كالآيات والأحاديث الشهيرة- إثباتُ الميزان ذي الكفتين واللسان، ووزن الأعمال بها بعد أن تُجَسَّم، كما يؤتى بالموت في صورة كبشٍ يذبح بين الجنة والنار، وكما في حديث: "يأتي القرآن يوم القيامة تقدمه البقرة وآل عمران. . . " الحديث (?).
أو توزن صحائفها فتثقل بالحسنات فضلًا، وتطيش بالسيئات عدلًا منه سبحانه وتعالى، وتكون الحسنات في أحسن صورة، والسيئات في أقبح صورة، والصُّنُج يومئذٍ مثاقيل الذرِّ والخردل (?)؛ تحقيقًا لتمام العدل، والكافر كالمؤمن في ذلك، ومعنى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} أي: قدرًا، قيل: ولكل إنسانٍ ميزانٌ لظاهر: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
والأصح: أنه ليس إلا ميزانٌ واحدٌ، والجمع إما لتعظيم شأنها وتفخيمه على حد: {رَبِّ ارْجِعُونِ} تحذيرًا من السيئات، وتحريضًا على الحسنات؛ إذ لو لم يسمع العاقل من القرآن إلا آية: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ}. . لكان له فيها أبلغ زاجرٍ وواعظٍ؛ لاشتمالها على الوعيد التام لأهل السيئات، والوعد الجميل لأهل الحسنات، أو باعتبار الموزونات أو لكونه ذا أجزاء، على حد: شابت مفارقُه، مع أنه ليس للإنسان إلا مَفْرِقٌ واحد، لكنهم سموا كل محلٍّ من المفرق مفرقًا.