أحدهما: أنه لا يتضح حينئذٍ معنى الشطرية إلا بادعاء أنه ينتهي تضعيف الأجر فيه إلى نصف الإيمان (?)، وهذا وإن قيل به إلا أنه يحتاج إلى دليل.
ثانيهما: أن الطهور لا ينحصر في الوضوء، بل يعم الغسل والتيمم والطهارة من الخبث، وليس واحدٌ من هذينِ النَّظَرينِ في محله؛ كيف ورواية ابن ماجه وابن حبان في "صحيحه": "إسباغ الوضوء شطر الإيمان" (?)، ورواية الترمذي: "والوضوء شطر الإيمان" (?)؟ وحينئذٍ فيقال: يحتمل أن معناه: أنه تمام الشطر، لا أنه كل الشطر؛ لما مر.
أو المراد بالوضوء فيه: معناه اللغوي، وهو يرجع لمعنى الطهارة الذي قررناه أولًا، لكن يُعَكِّر عليه رواية: "إسباغ الوضوء" فإنها نصٌّ في أن المراد به: الوضوء الشرعي، فإن حُمل الطهور على الوضوء، والوضوء على معناه الشرعي، والشطر على مطلق الجزء. . اتضح هذا المقام، وزال الإشكال.
واستعمال الشطر في مطلق الجزء تجوزًا أَولى من إخراج الطهور والوضوء عن معناهما الشرعي الذي ذهب إليه الأكثرون، وفهمه منه مسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم حيث خرَّجوه في أبواب الوضوء.
فإن قلت: يُعَكِّر على تفسير الشطر بالخُمُس أو الجزء حديثُ أحمد: "والطهور نصف الإيمان" (?).
قلت: النصف يطلق ويراد به أحد قسمي الشيء، فإن كل شيءٍ تحته نوعان، فأحدهما نصفٌ له وإن لم يتحد عددهما، ومنه حديث: "قسمت الصلاة -أي: قراءتها- بيني وبين عبدي نصفين" (?) أي: نصفٌ عبادةٌ إلى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وهو حق الرب، ونصفٌ مسألةٌ إلى آخرها، وهو حق العبد، فهما نصفان مع أن أحدهما أزيدُ كلماتٍ من الآخر.