تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك" فإذا أنت أحكمت باب اليقين؛ أي: إنَّ تيقُّن القلب بالقضاء المبرم يُعينه على الرضا بما أصابه، وهذا هو الكمال المطلق، فمن لم يصل إليه. . فليتجرَّعِ الصبر؛ فإن فيه خيرًا كثيرًا.
وأخرج الترمذي: "أن اللَّه سبحانه وتعالى إذا أحبَّ قومًا. . ابتلاهم، فمن رضي. . فله الرضا، ومن سخط. . فله السخط" (?).
(واعلم) تنبيهٌ على أن الإنسان في هذه الدار ولا سيما الصالحون معرَّضون للمحن والمصائب، وطروق المنغصات والمتاعب؛ قال اللَّه تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} الآيات، فينبغي للإنسان أن يصبر ويحتسب، ويرضى بالقضاء والقدر، وينتظر وعد اللَّه تعالى له بأن عليه صلوات من ربه ورحمة، وبأنه المهتدي.
(أن النصر) من اللَّه سبحانه وتعالى للعبد على جميع أعداء دينه ودنياه إنما يوجد (مع الصبر) على طاعته وعن معصيته، فهو سببٌ للنصر؛ قال تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ومن خيريَّته لهم كونه سببًا لنصرهم على أعدائهم ونفوسهم، ومن ثَمَّ كان الغالب على مَنِ انتصر لنفسه عدمَ النصر والظفر، وعلى مَنْ صبر ورضي بعلم اللَّه تعالى وحكمِه تعجيلَهما له كما هو المعهود من مزيد كرمه وإحسانه، وجاء في حديثٍ ضعيفٍ: "قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: "مجاهدة العبد لهواه" (?).
(وأن الفَرَج) يحصل سريعًا (مع الكرب) فلا دوام للكرب، وحينئذٍ فيحسن لمن نزل به أن يكون صابرًا محتسبًا، راجيًا سرعة الفرج مما نزل به، حسَنَ الظن بمولاه في جميع أموره؛ فإنه سبحانه وتعالى أرحم به من كل راحمٍ حتى من أمه وأبيه؛ إذ هو سبحانه وتعالى أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
(وأن مع العسر يسرًا) كما نطق به قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ