وُجِّهت من الأزل، فلا بد أن تقع مواقعها، ومن ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: "إن لكل شيءٍ حقيقة، وما بلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه" رواه أحمد (?).
ففي ذلك تقريرٌ وحضٌّ على تفويض الأمور كلها إلى اللَّه سبحانه وتعالى، مع شهود أنه الفاعل لما يشاء، وأن ما قضاه وأبرمه لا يمكن أن يتعدَّى حده المقدر له، وهذا راجعٌ لقوله سبحانه وتعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الآيةَ، {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}.
واستفيد من ذلك أن كل أمرٍ بالنسبة إلى كل إنسانٍ هو لذاته جائزٌ أن يصيبه وأن يخطئه على جهة الإمكان الخاص، وإنما يتعيَّن أحدهما بتعلق الإرادة والعلم الأزليين به.
واختلف المتكلمون فيما إذا تعلق علم اللَّه سبحانه وتعالى بوقوع ممكنٍ أو عدمه؛ هل يبقى خلاف ما تعلق به مقدورًا؟ قيل: نعم، وقيل: لا.
ثم مدار هذه الوصية كلها على هذا الأصل؛ إذ ما قبله وما بعده مفرَّعٌ عليه، وراجعٌ إليه؛ فإن من علم أنه لن يصيبه إلا ما كُتب له من خيرٍ وشرٍّ، ونفع وضرٍّ، وأن اجتهاد الخلق كلهم بخلاف المقدور لا يفيد شيئًا ألبتة. . عَلِم أن اللَّه سبحانه وتعالى وحده هو الضار النافع، المعطي المانع، فأفْرَدَهُ بالطاعة، وحفظ حدوده، وخافه، ورجاه، وأحبه، وقدَّم طاعته على طاعة خلقه كلهم، وأفرَدَهُ بالاستعانة به، والسؤال له، والتضرع إليه، والرضا بقضائه في حال الشدة والرخاء.
وفي رواية: "فإن استطعت أن تعمل للَّه سبحانه وتعالى بالرضا في اليقين. . فافعل، وإن لم تستطع. . فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا" (?).
وفي أخرى بعد هذا: قلت: يا رسول اللَّه؛ كيف أصنع باليقين؟ قال: "أن