ثم وجهُ إفرادِهِ بالذِّكر -مع أنه من خصال التقوى ولا تتم إلا به-: الردُّ على من يظن أنها القيام بحقوق اللَّه تعالى فقط؛ إذ كثيرًا ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوقه والانعكاف على محبته وخشيته إهمالُ حقوق العباد بالكلية، أو التقصير فيها، وما دَرَى أن الجمع بين الحقَّيْن عزيزٌ جدًا، لا يقوى عليه إلا الكُمَّل من الأنبياء والصِّديقين.
ومن ثم فسروا الصالح الذي يدعو له كل مُصلٍّ في تشهده بأنه القائم بهما، وفي ذلك مناسبةٌ تامةٌ لحال معاذ؛ فإنه وصَّاه بذلك عند بعثه إلى اليمن معلِّمًا لهم وقاضيًا، ومَنْ هو كذلك. . يضطر لمخالطة الناس بخلقٍ حسن، ويحتاج لذلك ما لا يحتاجه من لا يخالطهم.
(رواه الترمذي) -بكسر الفوقية والميم، وقيل: بضمهما- في "جامعه" (وقال: حديث حسن) وقد قاله صلى اللَّه عليه وسلم لأبي ذر لما جاء إليه وهو مختفٍ بمكة، فأسلم وأراد المقام معه صلى اللَّه عليه وسلم، وحرص عليه، فعلم صلى اللَّه عليه وسلم أنه لا يقدر عليه، فأمره أن يلحق بقومه عسى أن ينفعهم اللَّه تعالى به، وقال له: "اتق اللَّه حيث كنت. . . " الحديث.
ولمعاذ لمَّا بعثه إلى اليمن كما مر آنفًا، وقد امتثل رضي اللَّه عنه هذه الوصية، ومن ثم لما بعثه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه على عمل. . قدم منه وليس معه شيء، فعاتبته امرأته، فقال لها: (كان لي ضاغط) أي: من يضيِّق عليَّ ويمنعني من أخذ شيءٍ، وأراد ربه عز وجل، فظنت امرأته أن عمر بعث معه رقيبًا، فقامت تشكوه إلى الناس (?).
وهو جامعٌ لسائر أحكام الشريعة؛ إذ هي لا تخرج عن الأمر والنهي، فهو كل الإسلام؛ لأنه متضمنٌ لما تضمنه حديث جبريل من الإسلام والإيمان والإحسان، ولما تضمنه غيره من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام مما سبق ويأتي، على أن فيه