وهذا لا يمكنه دفعه وهو الغالب في الناس، وإما غالبٌ للطبع بالرياضة، فيمكنه دفعه، ولولا ذلك. . لكان قوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لا تغضب" تكليفًا بما لا يطاق.
والحاصل: أن أقوى أسباب رفعه ودفعه التوحيد الحقيقي، وهو اعتقاد أنْ لا فاعل حقيقةً في الوجود إلا اللَّه تعالى، وأن الخلق آلاتٌ ووسائط:
- كبرى وهي: مَنْ له عقلٌ واختيارٌ كالإنسان.
- وصغرى وهي: مَنِ انتفيا عنه كالعصا المضروب بها.
- ووسطى وهي: مَنْ فيها الثاني فقط كالدواب (?)، فمن توجَّه إليه مكروهٌ من غيره وشهد ذلك التوحيد الحقيقي بقلبه. . اندفع عنه غضبه؛ لأنه إما على الخالق وهو جراءةٌ تُنافي العبودية، أو على المخلوق وهو إشراكٌ ينافي التوحيد، ومن ثَمَّ خدم أنس رضي اللَّه تعالى عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشر سنين، فما قال لشيءٍ فعله: لِمَ فعلته، ولا لشيءٍ تركه: لِمَ لمْ تفعله (?)، ولكن يقول: "قدَّر اللَّه ما شاء، وما شاء فعل"، أو: "لو قدر اللَّه. . لكان" (?)، وما ذاك إلا لكمال معرفته صلى اللَّه عليه وسلم بأَنْ لا فاعل ولا معطي ولا مانع إلا اللَّه تعالى، ولا ينافي ذلك (?) ما صح: أن موسى على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضلُ الصلاة والسلام اغتسل عريانًا في خلوةٍ، ووضع ثيابه على حجرٍ، ففرَّ بها، فعدا وراءه يقول: (ثوبي حجر، ثوبي حجر) (?)، ويضربه بعصاه حتى أثَّرت فيه، فرآه بنو إسرائيل، وبطل كذبهم عليه بأنه إنما يختلي عنهم في الغسل لأُدْرَةٍ به (?)؛ لأنه لم يغضب عليه غضب انتقام، بل غضب تأديبٍ وزجر؛ لأن اللَّه تعالى خلق فيه حياة فصار كدابةٍ نفرت من راكبها.