ويحتمل على بُعدٍ أنه غلب عليه الطبع البشري فانتقم منه؛ كما حكي عنه أنه لما قيل له: {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ}. . لفَّ كمه على يده وتناولها به، فقيل له: أرأيت لو أذن اللَّه تعالى فيما تحذر. . هل كان ينفعك كمك؟ فقال: (لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف. . خاف) (?)، ويؤيد ذلك: ما ثبت أنه كان حديدًا، حتى كان إذا غضب. . خرج شعر جسده من مدرعته كسُلَّاء النخل (?)، ولهذا لما علم بما أحدثت قومه بعده. . أخذ برأس أخيه ولحيته يجرُّه إليه.
وكذلك حُكي أن الخضر لما خرق السفينة. . غضب، وأخذ برجله ليلقيه في البحر، حتى ذكَّره يوشع عهده معه فخلاه (?).
إنما يذم الغضب حيث لم يكن للَّه، وإلَّا. . فهو محمود، ومن ثَمَّ: (كان صلى اللَّه عليه وسلم يغضب إذا انتهكت حرمات اللَّه عز وجل) (?)، فحينئذٍ لا يقوم لغضبه شيءٌ حتى ينتصر للحق، وورد: (أنه كان إذا غضب. . أعرض وأشاح، وأنه كان بين عينيه عرق يُدِرُّه الغضب) (?).
وقالت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: (كان خلقه القرآن يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه) (?)، ولشدة حيائه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يواجه أحدًا بما يكرهه (?)، بل تعرف الكراهة في وجهه، ولما بلَّغه ابنُ مسعود قولَ القائل: هذه قسمةٌ ما أُريد بها وجه اللَّه. . شقَّ عليه وتغيَّر وجهه وغضب، ولم يزد على أن قال: "قد أُوذي موسى