عظيم؛ لأن الغضب يصدر عنه من قبائح الأقوال ما يوجب الندم عليه عند زوال الغضب، فإذا سكت. . زال هذا المعنى، فإن لم يَزُل بما ذكر. . توضأ أو اغتسل بالماء البارد؛ فإن النار لا يطفئها إلا الماء؛ كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم. . فليتوضأ بالماء، فإنما الغضب من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء"، وفي رواية: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم. . فليتوضأ" (?).
وروى أبو نعيم بإسناده عن أبي موسى الخولاني أنه كلَّم معاوية بشيءٍ وهو على المنبر، فغضب، ثم نزل فاغتسل، ثم عاد إلى المنبر، وقال: سمعتُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، والنار تطفأ بالماء، فإذا غضب أحدكم. . فليغتسل" (?) والغرض أن يبعد عن هيئة الوثوب والمسارعة للانتقام ما أمكن؛ حسمًا لمادة المبادرة.
وكان معاوية رضي اللَّه تعالى عنه من أحلم العرب، ومن ثم كان يقول: (ما غضبي على من أقدر عليه ومن لا أقدر عليه) أي: إن الغضب تعبٌ محضٌ لا فائدة فيه؛ لأن المؤذي لي إن قدرت عليه. . عاقبته إن شئت بلا غضب، وإلا. . كان مجرد الغضب محضَ تعبٍ؛ لأنه وحده لا يشفي، فلا فائدة فيه على كل تقدير.
ثم المرادُ برفعه أو دفعه -مع أنه اضطراريٌّ كالخجل؛ لما مر أنه فوران دم القلب باطنًا، فهو كالرعاف ظاهرًا-: اندفاعُ آثاره، وما يترتب عليه من القبائح؛ فإن الإنسان بحسن الرياضة وتهذيب النفس عن ذميم الأخلاق ومعايب الأوصاف يأمن شرَّ غضبه وقبائحه المترتبة عليه، فهو وإن كان ضروريًا لا يمكن دفعه، إلا أن آثاره المترتبة عليه يمكن دفعها، فاندفع ما لبعضهم هنا من الإشكال، ثم رأيت بعضهم ذكر نحو هذا الذي ذكرته حيث قال: والتحقيق أن الغضبان إما مغلوبٌ للطبع الحيواني،