وذهب جمعٌ من السلف إلى أن مرتكب الكبيرة يُسمَّى مؤمنًا ناقص الإيمان، وآخرون إلى أنه يقال له: مسلم لا مؤمن، قيل: وهو المختار.
ومقصود هذا الحديث -كما علم مما قررناه في معناه-: ائتلاف قلوب الناس، وانتظام أحوالهم، وهذا هو قاعدة الإسلام الكبرى التي أوصى اللَّه تعالى بها بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.
وإيضاحه: أن كل أحدٍ من الناس إذا أحب لباقيهم أن يكونوا مثله في الخير. . أحسن إليهم، وأمسك أذاه عنهم، فيحبونه، فتسري بذلك المحبة بين الناس، فيسري الخير بينهم، ويرتفع الشر، فتنتظم أمور معاشهم ومعادهم، وتكون أحوالهم على غاية السداد، ونهاية الاستقامة، وهذا هو غاية المقصود من التكاليف الشرعية، والأعمال البدنية والقلبية.
وهذا كله إنما يتولد من كمال سلامة الصدر من الغل والغش والحسد؛ فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحدٌ في خيرٍ أو يساويه فيه؛ لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله، والإيمان يقتضي أن يشاركوه كلهم فيما أُعطي من الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء.
نعم؛ ورد أنه لا حرج على من كره الامتياز بالجمال؛ فروى أحمد والحاكم في "صحيحه": أن مالك بن مرارة قال: يا رسول اللَّه؛ قد قسم لي من الجمال ما ترى، فما أُحبُّ أحدًا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أليس ذلك هو البغي؟ فقال: "لا، ليس ذلك من البغي، ولكن البغي من بطر، أو قال: سَفِهَ الحقَّ" (?).
ومن كمال الإيمان تمني مثل الفضائل الأخروية التي فاقه فيها غيره (?)؛ كما دلت عليه الأحاديث الشهيرة، وأما قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}. . فهو نهي عن الحسد؛ وهو: تمني انتقال نعمة الغير إليه.
وما مر عن الفضيل مما يقتضي أن الأكمل محبةُ أن يكون الناس فوقه إنما هو من