فهو غير مؤمنٍ الإيمان الكامل، ومن ثَمَّ قيل: أفحش الأحوال أن يرى ضانًا على أخيه بأعمال الخير إن لم يوفق هو لها، كما جرى لابن آدم؛ فإنه قتل أخاه من أجل أن تَقَبَّلَ اللَّه تعالى قربانه دونه.
والمراد بالمثلية هنا: مطلق المشاركة المستلزمة لكفِّ الأذى والمكروه عن الناس، وتحمل الإنسان على أنه كما يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته ينبغي له إذا كانت لأخيه عنده مظلمةٌ أو حقٌّ. . أن يبادر إلى إنصافه من نفسه، ويؤثر الحق وإن كان عليه فيه مشقة.
وفي الحديث: "انظر ما تحب أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم" (?)، ومن ثَمَّ قيل للأحنف: (ممن تعلمت الحلم؟ قال: من نفسي، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا كرهت شيئًا من غيري. . لم أفعل بأحدٍ مثله) (?).
فلا ينافي كون الإنسان يحب لنفسه أن يكون أفضل الناس، على أن الأكمل خلاف ذلك؛ فقد قال الفضيل بن عياض لسفيان بن عيينة: (إن كنت تودُّ أن يكون الناس مثلك. . فما أديت للَّه الكريم النصيحة، فكيف وأنت تودُّ أنهم دونك؟!) (?).
(رواه البخاري ومسلم) لكن رواية مسلم فيها شك؛ إذ قال: "لأخيه أو جاره" بخلاف رواية البخاري، فإنه لا شك فيها، ولفظ مسلم: "والذي نفسي بيده؛ لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لأخيه، أو قال: لجاره ما يحبه لنفسه".
ولفظ أحمد: "لا يبلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير" (?) وهو مبيِّنٌ لمعنى حديث "الصحيحين"، وأن المراد بنفي الإيمان: نفيُ بلوغ حقيقته ونهايته؛ فإنه كثيرًا ما يُنفى لانتفاء بعض أركانه وواجباته، كنفيه عن الزاني والسارق وشارب الخمر في الحديث المشهور (?).