(عنه. . فاجتنبوه) دائمًا على كل تقديرٍ مما دام منهيًا عنه حتمًا في الحرام، وندبًا في المكروه؛ إذ لا يمتثل مقتضى النهي إلا بترك جمبع جزئياته، وإلَّا. . صدق عليه أنه عاصٍ، أو مخالفٌ.

وأيضًا: فترك المنهي عنه هو استصحاب حال عدمه، أو الاستمرار على عدمه، وليس في ذلك ما لا يستطاع حتى يسقط التكليف به، ونظر فيه بأن الداعي للمعصية قد يقوى حتى لا يستطاع الكف عنها، ويرد: بأن هذا نادرٌ، فلا يُعوَّل عليه وإن سُلِّم أنه يوجد كثيرًا مَنْ يجتهد في الطاعة ولا يقوى على ترك المعصية، فخرج نحو أكل الميتة للاضطرار، وشرب الخمر لإساغة اللقمة، أو لإكراهٍ، والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه؛ لعدم النهي عن هذه حينئذٍ.

(وما أمرتكم به. . فأتوا) (?) وجوبًا في الواجب، وندبًا في المندوب (منه ما استطعتم) أي: أطقتم؛ لأن فعله هو إخراجه من العدم إلى الوجود، وذلك يتوقف على شرائط وأسباب؛ كالقدرة على الفعل ونحوها، وبعض ذلك يُستطاع وبعضه لا يُستطاع، فلا جرَمَ سقط التكليف بما لا يستطاع منه؛ لأن اللَّه تعالى أخبر أنه لا يُكلِّف نفسًا إلا وسعها (?).

وأيضًا: يصدق عليه أنه امتثل الأمر المطلق مع الإتيان بالمستطاع الصادق عليه اسمه؛ كيوم، وركعتين، وأقل مُتَمَوَّل في: صُمْ، وصَلِّ، وتصدَّقْ، فإن قيَّد أو وصف. . لم يصدق الامتثال إلا بالإتيان به بجميع قيوده أو أوصافه، وإن كان من أشق التكاليف.

وهذا من قواعد الإسلام المهمة، ومما أُوتيه صلى اللَّه عليه وسلم من جوامع الكلم؛ لأنه يدخل فيه ما لا يُحصى من الأحكام، وبه وبالآية الموافقة له يُخَصُّ عموم قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015