فالحصر مجازيٌّ، بل حقيقيٌّ؛ نظرًا لما سنقرره في معنى النصيحة؛ فإنها لم تُبقِ من الدِّين شيئًا.
(النصيحة) هي كالنُّصح بضم النون، مصدر (نصح) وقيل: الأول اسم مصدر، والثاني مصدر، هي لغة: الإخلاص والتصفية، من (نصحتُ له القول والعمل): أخلصته، ونصحت العسل: صفيته، شبهوا تخليص الناصح قولَهُ من الغشِّ بتخليص العسل من شمعه، أو من (النَّصح) بفتح النون؛ وهو: الخياطة، والمنصحة: الإبرة؛ والنِّصَاح: الخيط، والناصح: الخياط، شبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح ولَمِّ شَعَثِه بما تسده الإبرة، وتضمه من خرق الثوب وخلله، و (نصحت له) أفصح من (نصحته).
وشرعًا: إخلاص الرأي من الغش للمنصوح وإيثارُ مصلحته، ومن ثَمَّ كانت هذه الكلمة مع وجازة لفظها كلمةً جامعةً، معناها: حيازة الخير للمنصوح له، بل ليس في كلام العرب أجمع منها ومن كلمة الفلاح لخيري الدنيا والآخرة.
ودلَّتْ هذه الجملة على أن النصيحة تُسمى دينًا وإسلامًا، وعلى أن الدين يقع على العمل كما يقع على القول.
(قلنا) معشرَ السامعين: النصيحة (لمن؟) فيه إشارة إلى أن للعالم أن يَكِلَ فهم ما يُلقيه إلى السامع، فلا يزيد له في البيان حتى يسأله؛ لتَشَوُّف نفسه حينئذٍ إليه، فيكون أوقع في نفسه ممَّا إذا هجمه من أول وهلة.
(قال) صلى اللَّه عليه وسلم: (للَّه) بالإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بجميع صفات الكمال والجلال، وتنزيهه عن جميع النقائص وما لا كمال فيه من الأوصاف، والقيام بطاعته، وتجنُّب معصيته، والحب والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، والرغبة في محابِّه، والبُعد عن مساخطه، والاعتراف بنعمته، وشكره عليها، والدعاء إلى جميع ذلك وتعليمه، والإخلاص فيه للَّه عز وجل عن كل نقصٍ ووصفٍ ليس ببالغ في الكمال المطلق أقصاه وغايَتَهُ، وحفيقة هذه الأوصاف راجعةٌ إلى العبد في نصحه نفسه، وإلَّا. . فهو