الدماغ- وفسادِه على صلاح القلب وفساده في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: (صلح الجسد كله، وإذا فسدت. . فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) وذلك لأنه مبدأ الحركات البدنية، والإرادات النفسانية؛ فإن صدرت عنه إرادةٌ صالحة. . تحرك البدن حركةً صالحة، وإن صدرت عنه إرادةٌ فاسدة. . تحرك البدن حركةً فاسدة، فهو كملك والأعضاء كالرعية، ولا شك أن الرعية تصلح بصلاح الملك، وتفسد بفساده، أو كعينٍ والبدن كمزرعة، فإن عذب ماؤها. . عذب الزرع، وإن مَلُح. . مَلُح، أو كأرضٍ والأعضاء كنباتٍ: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا}.
وشاهد ذلك: أنه صلى اللَّه عليه وسلم شُقَّ قلبه الكريم أربع مرات، عند انتقاله في الأطوار التي كل طورٍ منها يحتاج لتطهير، كما بيَّنتُه في "شرح شمائل الترمذي" (?) فشق عند طفوليته، ثم قرب بلوغه، ثم عند بلوغه أشدَّه أول ما أُوحي إليه، ثم عند الإسراء به، وأخرج منه علقة سوداء، وقيل له: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل بماء زمزم (?)، الذي هو أشرف المياه (?)، ومن هذا أخذ البلقيني أنه أفضل من ماء الكوثر، ونُوزع فيه بما رددته في "شرح العباب"، فلمَّا طهر قلبه صلى اللَّه عليه وسلم؛ وبُولغ في تطهيره بما لم يبالغ به في غيره. . كان أفضل العالمين، ونبي الأنبياء والمرسلين صلى اللَّه عليه وسلم.
والحاصل: أن القلب محل الاعتقادات والعلوم والأفعال الاختيارية، فلكونه محلًّا لهذه الخصوصية الإلهية التي تدرك بها الكليات والجزئيات، ويفرق بها بين الواجب والجائز والمستحيل. . امتاز به الإنسان عن بقية أنواع الحيوان؛ لأنه وإن وجد لها شكله، وقام بها ما تدرك به مصالحها ومنافعها، وتميز به بين مفاسدها ومضارها إلا أن هذا إدراكٌ جزئي طبيعي، وشتان ما بينه وبين الإدراك الكلي العلمي