(ألا وإن حمى اللَّه محارمه) (?) أي: المعاصي التي حرمها، وهي الجناية على النفس والعرض والمال وغيرها؛ كالقتل، والزنا، والسرقة، والقذف، والخمر، والكذب، والغيبة، والنميمة، وأكل المال بالباطل، وأشباه ذلك.

وتُطلَق المحارم على المنهيات مطابقة، وعلي ترك المأمورات استلزامًا، والإطلاق الأول أشهر، وعلي كل تقديرٍ فكل هذه حمى اللَّه تعالى، مَنْ دخله بارتكابه شيئًا من المعاصي. . استحق العقوبة، ومن قاربه. . يوشك أن يقع فيه، فمن احتاط لنفسه. . لم يقاربه، ولا يتعلق بشيءٍ يقربه من المعصية، ولا يدخل في شيءٍ من الشبهات.

وفي هذا السياق منه صلى اللَّه عليه وسلم إقامة برهانٍ عظيمٍ على اجتناب الشبهات؛ إذ حاصله: أن اللَّه عز وجل مَلِك، وكل ملكٍ له حمًى يخشى من قربانه؛ لإيقاعه في أليم عذابه ممن قرب منه، فاللَّه سبحانه وتعالى له حمًى يُخشى منه كذلك، وهذا قطعي المقدمتين والنتيجة، فلا مساغ للتشكيك فيه.

وفي ذلك أيضًا: ضرب المثل بالمحسوس؛ ليكون أشد تصورًا للنفس، فيحملها على أن تتأدَّب مع اللَّه سبحانه وتعالى، كما تتأدب الرعايا مع ملوكهم.

ثم حضَّ صلى اللَّه عليه وسلم وحثَّ وأكَّد على السعي في صلاح القلب وحمايته من الفساد، وبين أنه مع صغر حجمه سائر البدن تابع له صلاحًا وفسادًا فقال: (ألا وإن في الجسد) أي: البدن (مضغةً) هي: قدر ما يمضغ، كما مر، لكنها وإن صغرت في الحجم هي عظيمة في القدر، ومن ثَمَّ كانت (إذا صلحت) بفتح لامه وضمها، والفتح أشهر، كذا أطلقه كثيرون، وظاهره: أنه لا فرق بين أن يصير سجيةً وأن لا (?)، لكن قيَّد جمعٌ الضمَّ بما إذا صار سجية، وكذا يقال في (فَسَد).

وصلاحها بصلاح المعنى القائم بها، الذي هو مَلْحَظُ التكليف، ومن ثَمَّ كان الذي عليه الجمهور: أن العقل في القلب، كما يصرح به ترتب صلاح البدن -ومن جملته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015