"قلوب الخلق بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء" (?).

فتصرُّفه تعالى في خلقه إما ظاهرٌ بخرق العادات كالمعجزة، أو نصبِ الأدلة كالأحكام التكليفية، وإما باطنٌ بتقدير الأسباب نحو قوله تعالى: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ}، أو بخلق الدواعي والصوارف، نحو قوله تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}، {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ}، {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، "يا مقلب القلوب؛ ثبِّت قلبي على دينك" (?) أي: طاعتك (?).

ومعنى سببية الأعمال (?) للسعادة والشقاوة الدال عليها الحديث: أنه تعالى خلق الخلق وركَّب فيهم طباع الخير والشر، فعلم ما يكون منهم بحسب مقتضى طباعهم المركوزة فيهم، فلو أسعدهم وأشقاهم اعتمادًا على سابق علمه وحكمته. . لكان في ذلك مأمونًا غير متهمٍ؛ لكنَّه تعالى عادلٌ في حكمه، حكيمٌ في عدله، والحكمة تقتضي اجتناب مظانِّ التُّهم ولو من سُخفاء العقول، فلو عذَّب بعضهم بموجَب علمه فيهم. . لاتهموه، فدفع هذه التهمة بأن كلَّفهم حتى ظهرت معصيتهم على طباعهم المركوزة فيهم من القوة إلى الفعل، وهذا هو سرُّ قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم في أطفال المشركين: "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين" (?) لكن الأصح: أنهم في الجنة.

وإنما اقتصر في الحديث على قسمين مع أن الأقسام أربعةٌ؛ لظهور حكم القسمين الآخرين: مَنْ عمل بعمل أهل الجنة أو النار، من أول عمره إلى آخره.

وقد اختلف أهل التحقيق؛ فمنهم من راعى حكم السابقة وجعلها نصب عينيه، ومنهم من راعى حكم الخاتمة، والأول أَولى؛ لأنه تعالى سبق في علمه الأزلي سعيد العالم وشقيه، ثم رتَّب على هذا السبق الخاتمةَ عند الموت بحسب صلاح العمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015