بكثرة النظر وتظاهر الأدلة (?)؛ إذ لا يمكن إنكار أن إيمان الصديقين أقوى من إيمان نحو المؤلفة، ومن ثَمَّ قال البخاري: عن ابن أبي مُليكة: أدركت ثلاثين صحابيًا كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم من أحدٍ يقول: إن إيمانه على إيمان جبريل وميكائيل) انتهى ملخصًا (?).
وإن كانت زيادة إشراقه غير زيادة قوته. . فالخلاف ثابت، لا يقال: تقرر أن الإيمان لا يتحقق بدون القطع وعدم التردد، وقول سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} يقتضي عدم الاطمئنان قبل ذلك، فلا قطع؛ لأنا نقول: ليس المراد ظاهره، بل هو مؤولٌ بأمورٍ، أحسنها ما قاله العز بن عبد السلام: أنه قاطعٌ بالإحياء عن دليله، لكنه اشتاق إلى مشاهدة كيفية هذا الأمر العجيب، الذي هو جازمٌ بثبوته، فهو كمن علم ببستانٍ في غاية النُّضرة والخضرة، فنازعته نفسه في مشاهدته، فإنها لا تسكن ولا تطمئن إلا إن شاهدته، فطلب بذلك سكونَ قلبه عن المنازعة إلى رؤية تلك الكيفية المطلوب رؤيتها (?)، أو أنه طلب العلم البديهي بعد العلم الاستدلالي.
الثانية: قال جمعٌ من الحنفية: الإيمان مخلوقٌ، وكلام أبي حنيفة صريحٌ فيه، وقال آخرون منهم: غير مخلوق، وهما متفقان على أن أفعال العباد كلَّها مخلوقةٌ للَّه سبحانه وتعالى، وبالغ جمعٌ منهم فكفَّروا مَنْ قال بخلقه؛ لما يلزم عليه من خلق كلامه سبحانه وتعالى؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} فالمتكلم بها قاطعٌ بكلامه بما ليس بمخلوق، كما أن قارئآيةٍ يصير قارئًا لكلامه سبحانه وتعالى حقيقة.
ورُدَّ: بأن هذا جهلٌ وغباوةٌ؛ إذ الإيمان وفاقًا: التصديق بالجَنان، أو مع الإقرار باللسان، وكل منهما فعل العبد، وهو مخلوقٌ للَّه سبحانه وتعالى، وأيضًا: فقد قال الفقهاء: لا يكون المقروء قرآنًا إلا بالقصد، وأيضًا يلزمهم أن كل ذاكرٍ، بل كل