متكلمٍ وافق كلامه أجزاءً من القرآن قد قام به ما ليس بمخلوقٍ من معاني كلامه تعالى، وذلك مما لا يقوله ذو لبٍّ، وأيضًا: المتلفظ بالشهادتين لم يقصد به قراءة، بل إقرار بالتصديق.
والحاصل: أن الواجب اعتقاده أن كل ما قام بقارئ القرآن حادثٌ؛ لأنه إن قام به مجرد التلفظ والملفوظ (?)؛ لعدم فهمه لما يقرأه. . فظاهر؛ إذ التلفظ أمرٌ اعتباري، وهو حادثٌ؛ لأنه مسبوق بما يعتبر به، والملفوظ سبقه العدم، فيستحيل قدمه، وإن قام به مع ذلك الفهم والتدبر. . فهو إنما يحدث في نفسه صورة معاني نظم القرآن، وغايتها أن تدلَّ على المعنى القائم بذاته سبحانه وتعالى، وليست هو (?)؛ للقطع بحدوثها وبعدم انفكاكه عن الذات الواجب الوجود، ولتغايرهما؛ إذ هو مدلولٌ لفعل القارئ، صفةٌ للكلام النفسي، والقائم بنفس القارئ هو صفةٌ للعلم بتلك المعاني النظمية، لا للكلام؛ بدليل أن القائم بقارئ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ليس طلب إقامتها، بل العلم بأنه سبحانه وتعالى طلب ذلك.
قيل: وهذا ينافيه قولهم: القراءة -وهي أصوات القارئ- حادثةٌ؛ لوجوبها تارةً وحرمتها أخرى (?)، والمقروء بالألسنة، المكتوب في المصاحف، المسموع بالأسماع، المحفوظ في الصدور. . قديمٌ؛ لاقتضاته قيام المعنى القديم بنفس الإنسان؛ لأن المحفوظ مودعٌ في قلبه.
ورُدَّ: بأنهم لم يريدوا بهذا اللفظ ظاهره؛ لتصريحهم بما يدل على أنهم تساهلوا فيه إذ قالوا عقبه: ليس المقروء المذكور حالًّا في قلبٍ ولا لسانٍ ولا مصحفٍ، فأرادوا بالمقروء: المعلوم بالقراءة، والمكتوب: المفهوم من الخط، والمسموع: المفهوم من الألفاظ المسموعة، فالحالُّ في القلب هو نفس فهمه والعلم به، لا متعلقهما؛ إذ هو المعنى القديم القائم بذاته سبحانه وتعالى.
وقد نقل بعض أهل السُّنة أنهم منعوا من إطلاق القول بحلول كلامه سبحانه وتعالى