والسلطان صلاح الدين مقيم بعكا وربيب الربيع رضيع، ووشى الروض وشيع، وصنيع القدر نصيع، وشمل الظفر جميع، وفضاء الفضائل وسيع، ومراد المراد مريع، ونسيم الأسحار لأسرار الأزهار مذيع، وأريج الجو العليل في شفاه غليل الجوى شفيع. والدهر قد ثمل وأفاق، والزهر قد شمل الآفاق. وللمحاب مهاب، وفي الشعاب أعشاب. وخدود الشقائق محمرة، وثغور الأقاحي مفترة، وعيون النرجس مصفرة، وشفاء المنابع مخضرة. وأحداق الحدائق الناضرة ناظرة، ووجنات الجنات الزاهية زاهرة. وعذبات المنابت متموجة، وحافات المناهل متدبجة. وجباه الغدران متغضنة، وجفون النوار متوسنة، والأفنان مورقة والورق متفننة. وخد الخيري مورد، وحد العرار مجرد. وعرف البهار قد تأرج، ووجه الجلنار قد تدرج. وعذار البنفسج قد بقل، وعذر الزمان قد قبل. وشارب النبت قد طر وهارب البرد قد فر. وسر الصيف قد سرى وسر، وطبى الطيب قد حفل ودر.
وتقاضى السلطان غريم عزمه بدين الدين، وآن أن يصحر ليث بأسه الخادر من العرين. فأبرز مضاربه، وجهز كتائبه. وضرب سرادقه، وعرض فيالقه، ونشر بيارقه، وحشر رواعده وبوارقه. وانفق حزائنه، وأنفذ دفائنه. وبذل في صون الدين ديناره، وأشعل في حفظ ماء الهدى وعلى العدا ناره.
وسار على سمت حصن كوكب، وعن قصده ما تنكب. ونزلنا عليه في العشر الأوسط من المحرم، وما منا إلا من بقتال العدو فيه لهج المحب المغرم، ولعزمه وهج اللهيب المضرم.
فوجدنا كوكب في سمائها كأنها الكوكب، وظن الفرنج أنها لا تنكأ ولا تنكب، وهي من المصاعيب التي لا تبرك ولا تركب. فأحطنا بالحصن وخيمنا حوله،
واستمددنا قوة الله وحوله. وزحف إليها الرجال، وتناوب علبه القتال.
وركب إليه السلطان ورازه، واستصعب احتيازه. ورأى أن مقاتلته تطول، وأن مسألته تعول. وأن محاولته في مطاولته، ومصابه في مصابرته، واضافته في مضايقته. وأن ما في هذه الحال اقتضى تعذر اقتضاض عذرته، ولا مطمع الآن في فرع ذروته، ولا قرع مروته.
وكان في خواصه وأهل استخلاصه، لم تتجمع عساكره، ولم تتموج زواخره. فأقام هناك بالتدبير مشتغلا وللاشتغال مدبرا، وبالاستظهار متأيدا وبتأييد الله مستظهرا، حتى رتب على قلعة صفد خمسمائة فارس، من كل محرب للحرب ممارس. وسلمهم إلى (طغرل الجاندار)، لمرابطتها بالليل والنهار. ووكل بكوكب (قايماز النحمي) في خمسمائة مقاتل، من كل ناصر للحق وللباطل خاذل. وكان (سعد الدين كمشبه الاسدي) بقلعة الكرك موكلا، وبحفظها مكفلا.