قدامه البلاد في كل من اعتمد عليه بأمورها.
ووصل إلى يافا ففتحها عنوة، ونال العسكر منها بالنهب والسباء خطوة. ثم حضر مجد يابا وحصرها، وطلبت منه الآمان فأنظرها. وكتبنا إليه بالإقامة في ذلك الجانب، ماضي العزائم قاضي القواضب. وأن يستفتح من البلاد ما يتعجل فتحه، ويقدم من الرجاء ما يتيسر نجحه، إلى أن نفتح ما في جانبنا من البلاد ونتسلمه، وننتهز فرصة الإمكان فيما نحن بصدده ونغتنمه.
وقد كنا أنهضنا إلى كل بلد من الناصرة وصفورية؛ وحيفا وقيسارية؛ من يتولى افتتاحه، ويستقبل من مهب النصر أرواحه. فنصرهم الله على الناصرة وقيسارية قسرا، وتسلمت البواقي سلما، ورأى من كان فيها سلامته غنما، ورضى بالغرم رغما. وتسلمنا نحن تبنين وبيروت بالأمان، بعد أن قاتلنا أهلهما قتالا شديدا ألجأهم إلى الإذعان. فأما صيداء فإن صاحبها أذعن إلى التسليم، بعد أن بات منا بليله السليم. وأما جبيل فقد سلمنا صاحبها وخلص من الأسر، ورأى ربح خلاصة فيما
تعجله من الحسر،
وحينئذ سرنا واجتمعنا بالملك العادل على عسقلان، وهان لنا كل ما استصعب منها ودان، وظهر لنا منها وجه الفتح وبان، وأمكن كل ما تعذر واشتد ولان. وزاحمنا مناكب أبراجها من المنجنيقات بمناكب، وأصبنا فوائدها لما رميناها بمصائب. وأصمينا مقاتل الأسوار بسهام قسيها، وعاقبناها بحبالها وعصيها، واقتدنا بخزائم الكرة أنف الطاعة من عصيها، وصافحنا ببيض الصفائح يد الرضى من أبيها. وباشرت سهام المجانيق بسواكها ثنايا الشرافات فهتمتها، ونهضت أحجار الرماة إلى أحجار البناء فهدتها وهدمتها. وغنى فيها معول النقاب، فرقصت للاضطراب لا فلإطراب. وعادت الحجارة إلى اصلها من التراب.
ولما أيقن أهلها بالعطب، لاذوا بالضراعة والطلب. وخرجوا مسلمين مستلمين، وانقادوا مستكينين مذعنين. وأسلم البلد وأسلم، وجدع أنف الكفر وأرغم. وعاد منه الإيمان الغريب إلى وطنه، وقر منه الإسلام القريب في مسكنه. وعند ذلك تسلمنا غزة، وأعدنا إليها العزة. وأتينا على الرملة ولد والنطرون، وفتحنا بيت جبريل وجبل الخليل وجميع تلك المعاقل والحصون.
ثم ختمنا فتوحات هذه السنة بفتح الأرض المقدسة، والحمد لله على نعمه المفرجة للكروب وألطافه المنفسة. وقد جعلنا هذه البشارة القدسية بما هنأه الله من الموهبة السنية، وسناه من المنحة الهنية؛ لمملوكنا حسام الدين سنقر الخلاطي، وأمرناه أن يسير فيها من أصحابه منيقوم فيها بحق منابه. والمجلس السامي يشيع ميامنها ببلاد اليمن، ويجلو عروسها البكر في حسنها الحالي وحليها الحسن. ويشكر نعمة الله التي خصنا بها وعمت الأمة ويديم شكرها فإن دوام الشكر يديم النعمة، لا زال المجلس مشكور الشئمة، عالي الهمة، منصور العزم إن شاء الله.