والرآفة؛ إلا من هو عندنا أجل وأجلى، وأعلم وأعلى، واجمع لفنون الفضائل، وأعرف بأداء الرسائل. فلا توجه بهذه الكرامة إلا الكريم الوجيه، ولا تنبيه لهذه المقامة إلا القويم النبيه. ولا ترفع العظيم إلا بالعظيم الرفيع، فإن الشريف ينضع شرفه بمقارنة الوضيع. فقال هذه نصرة مبتكرة بكرت، وموهبة ميسرة بدرت وندرت. فنحن نعجل بها بشيرا، ونؤخر للإجلال كما ذكرت سفيرا.

وكان في الخدمة شاب بغدادي من الأجناد، قد هاجر للاسترفاد. وتوجه بعد وصوله، ونبه بعد خموله. فسأل في البشارة إلى بغداد. وزعم أنه يداوم إليها إلا غذاذ. وشفع له جماعة من الاكابر، حتى خص بأشرف البشائر. فقلت هذا لا يحصل له وقع، ولا يصل إليه نفع. والواجب أن يسير في هذا الخطير خطير،

وفي هذه النصرة الكبرى كبير. فإن الرسول من يندب للتفهيم والتفخيم، ويرتب في الأمر العظيم للتعظيم.

ثم سار المندوب، وشغلت عن إرسال سواه الفتوح والحروب. ولما فتح البيت المقدس أرسل ببشارنة نجاب، ونفذ بها كتاب. ووصل البشير الجندي فلم تجل به كفؤ الجلالة من الهدى الهدى. وحقروه وما وقروه، فإنه كان عندهم بعين فنظروه بتلك العين، وحبوه بما يليق به من الرقة والعين. ونقم على السلطان إرسال مثله، وأنه لم يعصب المنصب في تلك الرسالة بأهله وتسمح المندوب بكلام أخذ عليه، وبدرت منه أحاديث نسبت إليه. وقال في سكره وحالة نكره، ما يعرض عن ذكره. فخيل وموه؛ وتنكر وتكره. وظن أن لكلامه أصلا ولقطعه منا وصلا. وأنهيت إلى الغرض الأشرف مقالاته، وعلمت جهالاته.

وتجنى على السلطان بإرساله، وطرق إلى هداه ما أنكروه من مقال المذكور وضلاله. ووجد الأعداء حينئذ إلى السعاية طريقا، وطلبوا لشمل استعداده بالخدمة تفريقا. واختلفوا أضاليل، ولفقوا أباطيل. وقالوا: هذا يزعم أنه يقلب الدولة، ويغلب الصولة. وأنه ينعت بالملك الناصر. نعت الإمام الناصر، ويدل بما له من القوة والعساكر.

فأشفق الديوان العزيز على السلطان من هذه، وبرز الأمر المطاع بإرسال أخي وإنفاذه، وقالوا: هذا تاج الدين أخو العماد، يكفل لنا في كشف سر الأمر بالمراد. فإن أخاه هناك مطلع على الأسرار، وهو منتظم في سلك الأولياء الأبرار. وعول عليه الديوان العزيز في السفارة، ورد معه جواب البشارة. وكتبت له تذكرة بموجبات مقاصد العتب، ومكدرات موارد القرب. والمخاطبة فيها وأن كانت حسنة خشنة، والمعاتبة مع شدتها للعواطف الأمامية لينة. ونشر الأعتاب في طي العتاب، وروح الإرضاء في شخص الإغضاب. وبرد الموهبة في برد المهابة يرد

ظن الخطأ إلى يقين الإصابة.

وشرف من الديوان الأخ، فصار وهو يبذخ. وقد أصحب خيلا. وأسحب من التشريف والإنعام ذيلا، وألحف من نور الأهبة العباسية نهارا وليلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015