استأذن (الملك الظاهر) والده في العود إلى حلب فإذن له وودعه؛ بعد ما أمره بكل ما يجب تقديمه من الاستعداد فامتثله واتبعه. وودع (الملك العادل) وأوجه إلى
مصر، مستقبل الظفر والنصر. وأقام (الملك الأفضل) بعكاء مستقلا بالآراء، مستهلا بلألاء، مستبدا بتدبير أسباب الهدى، مستعدا لتدمير أحزاب العدا.
وأقمنا بالمخيم لخدمة السلطان ملازمين، ولإقامة شرائطها مداومين.
وكل يطلب إذنا في الانصراف، ويستقيم على نهج الانحراف. حتى خف من عندنا من الجند، وثقل علينا عبء البرد. وتناوحت الهوج، وتراوحت الثلوج، ورجت الدروج، ونجت النووج. وارتجز عجاج الودق، وارتجس ثجاج البرق. وجفت الحرجف، وطفح الاوطف. وتقطعت الخيام وتقلعت الاوتاد، وتجللت بأبراد الجليد من البرد الآكام والوهاد. ومال بل وقع عمود السرادق، ودام تواصل البوارح والبوارق.
ودخل السلطان إلى المدينة، وسكن بها في كنف السكينة، مستقيما على المحجة المستبينة، مقيما للحجة المتينة. وشرع في إعداد العدد، واستمداد المدد. وإبرام معاقد الحل والعقد، وإحكام قواعد الدين والمجد. وإحياء سنة السماح والفضل، وإعلاء سناء الإحسان والعدل. وإفادة الكرام وإكرام الوفود، وإعادة ما بدا به من إفاضة الجود. وإجازة الراجين. وإجارة اللاجين، وإسعاف العافين، وإبعاد العادين. ودناه أهل العلم. وإغناء ذوي العدم. وإنجاح المقاصد، وإنجاز المواعد.
وكانت رسل الآفاق من الروم وخراسان والعراق، عاكفين على بابه، قاطفين جنى جنابه، واقفين لرفع حجابه. مستعفين لنعمائه، مستعطفين لإبائه. متعرضين لنوابه، متضرعين في خطابه. وكلهم يهنئه بها افرده الله بفضيلته، وخصه بنجح وسيلته، وأقدره عليه وقد عجز عنه الملوك، وهداه إلى سبيله وقد تعذر بهم إليه السلوك، وهو فتح القدس الذي درج على حسرته القرون الأولى، وتقاصرت عنه أيدهم المتطاولة وتمكنت منه يده الطولى.
فما منهم إلا من يعترف بيمنه ويغترف من يمه، ويقر بحكم التنزيل له وينزل على حكمه. ويخطب الصداقة ويخاطب في الصدق، ويحقق المظاهرة لإظهار الحق، ويتقرب بالوفاء والوفاق، ويتباعد عن الشقاء والشقاق.
ومن جملتهم رسول صاحب الري (قتلغ ابنانج بن بهلوان)، ورسول (قزل ارسلان) المستولي على ممالك همذان وأذربيجان وأران - وهو (عز الدين الطالبي) - الطالب للعز، الراغب في