لمرتجيها، واستجدت عادات إنجاز عدات الجوائز لمستجديها. ويسر اليسار لإسعاف العافي، ونمت على ألسن الأنام أوصاف الصافي. وجلس السلطان في دار العدل فأعدى المستعدى، ولبى المستدهى. وأجاب وأجار، وأنال وأنار. وجاد وأجاد. وبدأ وأعاد.
وفي هذا الشهر خلص بهاء الدين قراقوش من الأسر؛ واجتمع بنا يوم وصلنا إلى طبرية، ولقي من السلطان الألطاف الخفية. ووصل معه إلى دمشق وأقام إلى أن
خلص أصحابه من الأسر، وتوجه إلى مصر. وقد صان نفسه ببذل ماله، وأخرج ثروته ودخل في إقلاله. وخرجت السنة والسلطان في أسنى سنائه، وأبهى جلاله وأجلى بهائه، والناس راتعون في رياض نعمائه. ورسل المماليك الغربية والشرقية عنده يخطبونه ويطلبونه، وينتظرون عزمه ويرقبونه. وهو يعدهم بانحسار وانكساره، وابتسام ثغر الربيع وافتراره، والتهاب زهر ازهاره، وانتهاب سرح اسحاره، وانتباه عيون بهاره، واندلاق غرار عراره، وائتلاق أنواء نواره، وانطباق نواظر ثماره، واصطفاق أوراق أشجاره، وانفتاق كمامه، واتساق نظامه. وانتثار منظومه، وانتظام منثوره، وانفجار صبح أسفاره. وانفراج وجه سفوره، واجتماع لفيف أعشابه، واستماع حفيف أقصابه، والتماع بريق سحابه، واتساع طريق صحابه. وانشقاق شقائقه، وانعقاق عقائقه. واشتمال شمائله، واقتبال قبائله. وتأرج صبا صباحه، وتبلج صبا صباحه. وتورد وجنات جناته، وتوقد جمرات ثمراته، ولتبسم ثغور أقحوانه، وتنسم ضمير ضيمرانه وتصور خدود تفاحه، وتدور نهود رمانه، واخضرار آس عذاره، واحمرار خد جلناره.
وتشنف أقطار النادي بأقراط قطار الندى، وتفوف حافات الوادي بالوشي الوشيع من حوك الرباب حول الربا. فإذا طاب النسيم ونسم الطيب؛ ودعا البلبل ولبى العندليب؛ وتعطر عبير الربيع، وتصور الشقيق كأنه تخمر من عجين النجيع؛ ووافق مراد المرعى من المراد المريع؛ وحلا الجنى اللجيني؛ وحلى النضير النضارى؛ وبقل العذار البنفسجي؛ واشتعل الخد الجلناري الناري؛ ونجم في الروض النجم السمائي المائي؛ وابتسم الثغر الأقاحي، وتنسم الضوع الصباحي؛ وتحرك العرف السحري الشجري، وتأرج النشر الروضي؛ وتبلج البشر الوضي؛ وانتشى النشأ الشمالي الشمولي؛ وانتعشت عاثرات أعشاب الشعاب؛ وقابلت القبول خطبة الفضل الخطاب؛ وصبت الصبا في محل خطيئة المحل بصوب الصواب؛
فحينئذ آل جماح الأصحاب إلى الأصحاب، وصرفت أشاجيع الشجان؛ وأيمان أهل الإيمان؛ كل مواج العنان؛ رواج السنان. ونزعت إلى الحلاب، ورشفت القواطع بشفاه الشفار ضرب الضراب. واجتمعت العساكر وعسكرت الجموع، وسرت الطلائع وسر الطلوع. ونهض أهل الجد وجد النهوض، وفاضت المنابع ونبعت الفيوض وضرب السرادق السلطاني حيث النصر ينزل، والسعد يقبل، واليمن يشمل والنجح يسهل، والظفر يمثل، والأمر يمتثل. والجد يسمن والهزل يهزل، والعزم يولي والوني يعزل. ويعم العدل مع اعتدال الزمان كل مكان، ولا يتنفس إلا بحديث الطاعة من يحدث نفسه بعصيان.