الشرك فظه.
ومع هذا لم يقطع محادثته، ولم يحدث مقاطعته، ومرى رسل مراسلته، ورمى سهم مخادعته ومخاتلته. ولم ينزل عن ادعاء صداقة الملك العادل، وتصديق دعوته، وراسل في طلب المناصفة على البلاد سوى القدس فإنه يبقى لنا بمدينته وقلعته. سوى كنيستهم المعروفة بقمامة فإنهم يعقدونها لملتهم الدعامة. فأبى السلطات أن يقبل هذاالقرار، وأبدى لهم الإنكار. وسامهم أن ينزلوا عن يافا وعسقلان؛ ويأخذوا على ما يبقى في أيديهم الأمان.
وهذه قلعة الداروم على حد مصر، وكانت منها مضرة كبيرة لما كانت مع الكفر. فلما فتحت حفظت، وتركت وأبقيت، وبالميرة والذخائر والرجال مليت. وخربت عسقلان وغزة دونها، وتسلمها علم الدين قيصر على أن يصونها.
فلما شرع الفرنج في إعادة عمارة عمارة عسقلان ترددوا مرارا إليها، وداروا حولها وأشرفوا عليها. وأنفق السلطان في جماعة وقواها بها، وشد بالنجدة قلوب أربابها. ثم نزل الفرنج عليها بقضم وقضيضهم، وسمرهم وبيضهم. وفارسهم وراجلهم، وصارمهم وذابلهم، وصارمهم وذابلهم، ورامحهم ونابلهم. واشتد زحفهم عليها، ونهوضهم اليها؛ عشية السبت تاسع جمادى الأولى بعد أن أخذوا فيها نقبا وخرقوه، وحشوه واحرقوه. وطلب أهلها الأمان فلم يجدوا، وطلبوا من قيصر وجماعته النجدة فلم ينجدوا.
ولما عرف الوالي أنهم مأخوذون، وأنهم موقومون موقوذون؛ عمد إلى الخيل والجمال والدواب فعرقبها، وإلى الذخائر فأضرمها وألهبها. وفتحوها بالسيف،
وعرضوا أهلها على الحيف. وأسروا منهم عدة يسيرة، وكانت هذه النوبة على الإسلام كبيرة. ثم لم يلبثوا بها ولم يغربوا فيها، ورحلوا عنها وتنحوا عن نواحيها. ونزلوا على ما يقال له: الحسى، وقد طاش بهم الغي والبغي. وذلك في يوم الخميس رابع عشر الشهر، وقد أنسوا بما ظنوه من أسباب الغلبة والقهر.
ثم تركوا خيامهم وساروا على قصد قلعة يقال لها: مجدل الحباب، فخرجت عليهم أسد اليزكية المكمنة من الغاب. فقاتلتهم قتالا شديدا وتركتهم بحد الحديد بديدا، وغادرت حبل قصدهم الجديد جديدا، وكرت عليهم وكرت عليهم فكررت في ردهم عن جهتهم ترديدا. وقتل منهم في جملة من قتل كند كبير. وأتاهم من مباريها مبير. وعادوا مفلولين مثلومين، مخذولين مهزومين، مثلولين مهضومين.
ثم رحل الفرنج من الحسى يوم الأحد سابع عشر الشهر وتفرقوا فريقين، وبعضهم عاد إلى عسقلان، وبعضهم جاء إلى بيت جبرين، فتقدم السلطان إلى العساكر والأمراء بأن يكونوا لهم مبارين.
وفي يوم السبت الثالث والعشرين نزلوا بتل الصافية، بجموعهم الوافرة الوافية. ونزلوا يوم الثلاثاء السادس والعشرين بالنظرون، فأرجفت الألسنة بأنهم على قصد