أضافه الأسقف بصور يوم الثلاثاء ثالث ربيع الآخر فاستوفى رزقه لموافاة أجله، ووصل إلى الباب قاطع أمله. وقد دعي إلى جهنمه، ومالك على انتظار مقدمه، والجحيم في ترقبه، والدرك الأسفل من النار ي تلهبه، والسعير في تسعره، ولظى في تلظيها لتنظره. وقد قرب أن تكون الهاوية له حاوية، والحامية عليه حامية، والزبانية في إيقاع العذاب به لمنزل الرجز بانية. وقد فتحت النار له أبوابها السبعة، وهي جائعة إلى التهامه وهو ملته بالأكل يستوفي الشبعة.
فأكل وتغدى، وما درى إنه يتردى. وأكل وشرب، وشبع وطرب، وخرج وركب. فوثب عليه رجلان بل ذئبان أمعطان. وسكنا حركته بالسكاكين، ودكاه عند تلك الدكاكين. وهرب أحدهما ودخل الكنيسة، وقد أخرج النفس الخسيسة. وقال المركيس وهو مجروح، وفيه بقية روح: احملوني إلى الكنيسة فحملوه، وظنوا أنهم
حاطوه لما نقلوه. فلما أبصره أحد الجارحين، وثب إليه للحين. وزاده جرحا على جرح، وقرحا على قرح.
فأخذ الفرنج الرقيقين، فألفوها من الفدائية الإسماعيلية مرتدين. فسالوهما: من وضعكما على تدبير هذا التدمير؛ فقال: ملك الانكتير وذكر عنهما أنهما تنصرا منذ ستة أشهر، ودخلا في ترهب وتطهر. ولزما البيع، والتزما الورع. وخدم أحدهما ابن بارزان، والآخر صاحب صيداء لقربهما من المركيس. واستحكما بملازمتهما أسباب التأنيس. ثم علقا بركابه، وفتكا به. فقتلا شر قتلة، وجهل عليهما اشد جهلة.
فيا لله من كافرين سفكا دم كافر، وفاجرين فتكا بفاجر. فلما ظل المركيس مركسا؛ تحكم ملك الانكتير في صور، وولاها الكند هرى وعذق به الأمور. ودخل بالملكة زوجة المركيس في ليلته، وادعى إنه أحق بزوجته. وكانت حاملا فما منع الحمل من نكاحها، وذلك افظع من سفاحها. فقلت لبعض رسلهم: إلى من ينسب الولد؟ فقال: يكون ولد الملكة، فانظر إلى استباحة هذه الطائفة المشركة.
ولم يعجبنا قتل المركيس في هذه الحالة، وإن كان من طواغيت الضلالة. لأنه كان عدو ملك الانكتير، ومنازعه على الملك والسرير، ومنافسه في القليل والكثير. وهو يراسلنا حتى نساعده عليه، وتنزع ما أخذه من يديه. وكلما سمع ملك الانكتير أن رسول المركيس عند السلطان، مال إلى المراسلة بالاستكانة والإذعان. وأعاد الحديث في قرار الصلح، وطمع في ليل ضلاله بإسفار الصبح. فلما قتل المركيس سكن روعه وروعه. وذهب ضوره وضوعه، وطاب قلبه، وآب لبه. واستوى أمره، واستشرى شره.
وكان قد تعصب لمضادة المركيس الملك العتيق، فأظهر له ود الشفيق الشقيق. وولاه جزيرة قبرس وأعمالها، وسدد بسداده اختلالها. فلما هلك المركيس عرف
إنه قد أخطأ في تقويته، وخشي إنه لا يسلم من عاديته، ولا يأمن من غائلته. فلما عدم عدوه، وجد هدوه. وآب سكونه، وثاب جنونه. وغاض غيظه، وحضه حظه، وفاض من منبع