وركب السلطان يوم الجمعة والغيث نازل، والنصر شامل، وفضل الله متواصل. ونحن معه سائرون، ومن بركة الجهاد إلى بركة القدس صائرون. والقاضي بهاء الدين بن شداد يسايرني وفي مسألة من الخلاف يباحثي ويناظرني؛ حتى وصلنا إلى القدس قبل العصر. وقد نشر للسلطان لواء النصر. ونزل بدار الاقساء المجاورة لكنيسة قمامة، ونوي بها الإقامة. وشرع تحصين المدينة، لتحصيل السكينة. وصلى يوم الجمعة مستهل ذي الحجة في قبة الصخرة. وضجت الألسنة في الدعاء له بالنصرة.
وفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة؛ وصل حسام الدين أبو الهيجاء من مصر؛ بعسكر مجر. وتبعه بعد ذلك العساكر المصرية. ووصل الخبر ينزول الفرنج بالنطرون، وآذن ذلك بتزاحم الأفكار، وتراجم الظنون؛ وتزايل السكون. وجرت يوم الخميس سابع الشهر وقعة، تم على العدو بها صرعة. فإن السلطان نفذ تلك الليلة إلى اليزك قريب بيت نوبة؛ عدة من الفرسان مجردة لم يستصحبوا إلا حصنهم المجنوبة. فوقعوا على سرية للفرنج فاستأصلوها، وأسروها وقتلوها. ووصلوا بزهاء خمسين أسيرا إلى القدس، وعاد ذلك منا ببرد القلب وطيب النفس. وكانت بشرى عظيمة، ونعمى كريمة، وحسنى عميمة. وكذلك سابق الدين صاحب شيرز، ومن معه من العسكر. واقعهم يوم العيد فقتل من مقدميهم ستة وأسر أربعة، وترك
بالمعركة منهم مصرعة. وكسب منهم خيلا، وكسبهم ويلا.
كانت الوقفة بمكة يوم الجمعة في هذه السنة، وتضاعفت للحجيج الحسنة على الحسنة. غير أن العيد بالقدس كان يوم الأحد، فلم ير ليلة الخميس الهلال أحد. ونصب السلطان خارج قبة الصخرة الخركاة الخاص، وصلى الناس في القبة العيد وملئوا حواليها العراض. ثم أنصرف السلطان وقد بر عمله، ودر أمله، ووفر أجره، وأسفر فجره.
وقعة
في يوم الجمعة خامس عشر ذي الحجة؛ أغار على طريق الفرنج بالرملة سيف الدين يازكوج وعلم الدين قيصر، وكلاهما يجد في الجهاد ولا يقصر. وأخذا غنائم وأموالا، وساقا خيلا وبغالا، وكسبا أحمالا وأثقالا. وأسرا ممن كان مع القافلة ثلاثين، ووقفوا بين يدي السلطان على ركب الذل جاثين؛ وتوالى على الفرنج النهوض والنهوب، وكثرت منهم الكسوب، واستعرت فيهم الحروب، وزادت الكروب. وضاقت عليهم الأرض، واستولى على عقود عزائمهم النقص. ورأوا أنهم قهروا فقهقروا، وأحاط بهم البلاء من الجوانب فما صبروا.
ورحلوا إلى الرملة عائدين،