على الموضع، إلا زائد قوة في المطمح والمطمع. وقد عزمنا على المصاف، وصد صدمة الكافر بالجد الكافي الكاف، والله كافل دينه بالنصر، والمردى بمكره أهل المكر. وما هذا أوان الونى، بل هو زمان استنتاج المنى. فإن العدو الخادر قد آن أوان أن يصحر، وليل الهدى قد قرب أن يسفر.
قد علم ما دهم المسلمون من العدو الكافر؛ والطاغية الحاشد الحاشر، وأنه ورد في البحر بكل من الكفر في البلاد والجزائر؛ وما قصده إلا بيضة الإسلام وحوزته، وأن الله تعالى هو الذي تكفل بذلة أعدائه عزته. ولا شك إنه عرف ما تم منه على عكاء بعد ذبنا عنها في هاتين السنتين، والمضابقة للفرنج ممن بعكاء ومنا بين الحصارين. وأنهم كلما دبروا أمرا دمرناه، وكلما حققوا كيدا أبطلناه، وكلما قدموا منجنيقيا أخرناه وعطلناه، وكلما ركبوا برجا أحرقناه، وكلما كثفوا حجابا خرقناه، و (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله). حتى لم يبق لمكرهم مكر، ولا لكيدهم مجال، ولم يتسق في هذه المدة لهم حال.
وقتل منهم في عدة دفعات زهاء خمسين ألف مقاتل، من فارس وراجل ولم نشك في استيعابهم بالردى، وأن حزب الضلال قد أفناه حزب الهدى وحسبنا أنهم بائدون؛ فإذا هم زائدون. وظننا أنهم هالكون، فإذا هم في نهج القتال سالكون. وهم حطب نار الحرب، وطعم الطعن والضرب. وكم بذلوا أرواحهم على حب (المقبرة)، وحصلوا تحت العجز لزعمهم أنهم يأتون بما فوق المقدرة.
ولما دخلت هذه السنة أشفقنا على من في عكاء من الأصحاب والأجناد وقلنا: هؤلاء قد بذلوا في الجهاد ما كان في وسعهم من الاجتهاد. ورأينا أن نجدد للبلد البدل، وأن نسد ونسدد بما نستأنفه الخلة والخلل. وكان فيه أكثر من عشرة آلاف رجل، من كل ذمر وكمى بطل. فخرج هؤلاء ولم يدخل إليهم مثل العدة، ولم يكن أيضا من دخل بذلك الجد وبتلك الشدة. فإن البحر قبل استكمالها منع راكبه، وحمى جانبه ووصل العدو وعجل مراكبه. فاكتفى البلد بمن فيه وما فيه كفاية، واتكل على الله الذي عصمته من كل واقعة وقاية. وجاءت ملوك الفرنج خلاف كل عام، في جد واعتزام، وحد واهتمام، وجمع لهام، ونار تعجلها العدو من جهنمه وضرام، وغرام بالواقعة وعرام، واحتداد للحادثة واحتدام، وبأس وإقدام، وناس وأقوام. وحشد ملأت به سفنها، وأخلت منه مدنها.
ووصل ملكا افرنسيس وانكتير، وقد أحكما التدبير، وأجلبا بخيلهما ورجلهما، وأناخا بكلكل كلهما، وبركا بثقلهما،