سر سرورها عليها ببوحها، وشيع معها من اوسلها إلى موضعها، وقد اجتمع شمل المرضعة بمرضعها. وما رد الطفل إلا بعد ما اشتراه
من مشتريه بثمن يرضيه، (وهذه نادرة) من جملة أياديه.
لما أصر الفرنج على مضايقة عكاء في كل يوم؛ وخطوا متاع متاعبهم في ابتياعها بكل سوم؛ وواظبوا ركوب بحر الحرب بكل خوض وعوم؛ وداروا حول حمى دارها بكل حوم، ولم يكن بد من ركوب السلطان بالعساكر إليهم في كل بكرة وعشي؛ وإرعاب القوم بكل حد مرهوب وجد مخشي؛ وكانت المسافة نائية؛ والآفة دانية؛ انتقل السلطان إلى تل العياضية، بعساكره وأثقاله بالكلية، بالعزائم والصرائم الماضية المضية، الراضية المرضية.
ولم يكن انتقاله دفعة واحدة، بل مهد له قاعدة. فإن يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى بلغه أن القوم قد عاودوا العوادي، ورفعوا من ضلالتهم الهوادي. وضايقوا البلد أشد مضايقة، وعالقوه أجد معالقة. فأمر الجاووش حتى نادى، وباكر الغدو بالعساكر وغادى. ووصل بالفارس والراجل إلى الخروبة وقوى اليزك، والزم المقدمين والأمراء بحفظ نوبهم الدرك. وقدم جماعة من الخيل لعل العدو إذا عاين قلتها خرج بالكثرة، وتورط في العثرة. فلم يشغل بها بالا، ولم يلفت إليها جنانا، بل تصرف على عنادة، ولم يصرف نحوها عنانا.
واشتد على البلد زحفه، وامتد عسفه. فساق السلطان بالعساكر وهجم، فترك العدو الحصار وأحجم. فلما جاء الظهر رجع العدو إلى مجثمه، والسلطان على قصد العود إلى مخيمه. ولما وصل إلى تل الخروبة؛ ونزل في خيمة لطيفة لأجله مضروبة، وصل من اليزك من أخبره أن العدو لما علم إنه قد انصرف، عاد إلى أشد ما كان فيه وزحف، وأنه قد أرعب وأرعف، وأرهق وأرهف، وألهى وألهب وألهف. وارهب وأرهج، وأعجز وأزعج. وثار وأثار. وألحم الملحمة بناره وأنار.
فبعث السلطان هذا الخبر على أن بعث إلى العساكر بالمخيم فأعادها، واستنهض
إلى الفريسة آسادها، وأجرى في حلبة الحمية جيادها. ودعاها إلى طعن يبرح بالذوابل، وضرب يرنح أعطا المناصل، وامرها من الحرب بأمرها، وأدارها من مرى أخلاف الدم بأدرها.
ثم سار آخر ليلة الأربعاء عاشر جمادى الأولى إلى تل العياضية قبالة العدو، وضرب خيمته بأعلاه ظاهر العلو. والعد بالحصر والزحف مصر مضر، وعلى عنائه وعناده مستمر. والسلطان في كل يوم يصابح القوم بالقتال ويماسيهم، ويراوحهم ويغاديهم، ويفاتحهم ويباديهم. بضرب كما اشترطته حدود الظبا، وطعن كما اقترحته