العود إلى البلاد ومنعها، يوذن بملالها، واختلال أمورها وانحلالها. والفرنج قد أمنت غائلتها، وتكفي في مداومة قتالها في نوبها مقاتلتها.
فأذن للجماعة في الانصراف على المواعدة في المعاودة في الربيع، والرجوع إلى مراد الروع المريع. وليأخذوا أسباب الاستعداد لأوقات الاستدعاء، وليستكثروا من الرجال المحققين في نصرة الحق للرجاء، من أهل الغنى والغناء، والمضارب والمضاء.
فسار صاحب سنجار - عماد الدين زنكي - خامس عشرى شوال يوم الاثنين، وتلاه صاحب الجزيرة - ابن أخيه سنجر شاه - ليكونا مصطحبين. وسار بعدهما - ابن صاحب الموصل - علاء الدين غرة ذي القعدة وما انصرفوا إلا بالتشريف والخلع المعدة. وشيعهم السلطان بكل مكرمة شائقة شائعة، وخلعة رائقة رائعة. ومستعملات مصر، ومصوغات تبر. وخيل عتاق، وخير وإطلاق.
ما كان أسعدنا بقرب الملك السعيد؛ وما أجد بإنارة نوره، وأوفر حبورنا بحضوره، وأصدق شهود صدق ولائه بحكم شهوده! وما أبهج الإسلام بنصرة ناصره؛ ونجده وليه وودوده! ولقد تمت بأيامن أيامه وبركات مقامه في العدو نكايات، وظهرت لأولياء الله من ألطاف كفاياته آيات، ووقعت بالمشركين روعات، وراعت وقعات.
وقد أردنا أن نستظهر بمرافقته، ونبني الأمور على موافقته. فما أيمن سعده، وما أسعد يمنه! وما أوقر وزنه، وأغزر مزنه! لكنا عرفنا شوق المجلس إلى اجتلاء سناه، بمقتضى آدابه التي استكمل بها أدوات الارتقاء في مطالع علاه. فقد فاق بسداد رأيه الكهول، وما أزكى الفروع الطيبة إذا أشبهت الأصول. وما أسعد الملك بالملك السعيد علاء الدين، أدام الله علاءه، وسر بفضائله أولياءه.
وقد توجه والقلوب معه متوجهة، والنفوس لغيبته متكرهة، والعيون لترقب ورود البشائر عنه متنبهة، والأيام لظلمة الاستيحاش بالليالي متشبهة، والموارد إلى أن يمن الله بعود الأنس بعودته مستنهة، والألسن بذكر أخلاقه الطاهرة والإفاضة في شكر محاسنه الزاهرة متفوهة. والخواطر فيما تمثلته أيام الاستسعاد به من مبهجات آلائه متنزهة.
ولا شك إنه يصف بلهجته الفصيحة، ما اقتناه من المتاجر الربيحة، وقدمه من المساعي النجيحة، واستنجحه في الغزاة من مغازيه الصحيحة، وأبداه في البأس من بسالته المشيحة. واطلعه في ليل العجاج من صبيحة بهجته الصبيحة. وله في كل نصرة وهبها الله للإسلام أوفى نصيب، فقد أصمي مقتل الكفر بكل سهم مصيب، وهو لمسترخ الهدى أسبق ملب وأسرع مجيب، وإن الله له بسفور صبح سعادته ووفور نجح إرادته افضل مثيب.