خرج من بلده؛ أوصى فيه إلى ولده. ثم جاء إلى بلد الهنكر فدخله غصبا، وأوسعه نهبا. حتى أذعن له وانقاد، وبلغ بطاعته المراد وإنه أخذ من ماله ورجاله ما اختار، وتزود من عنده وامتار.
ثم وطئ أرض ملك الروم وداسها، وتوسط ديارها وجاسها، وفتح بلادها، وملك قيادها. وأحج ملك الروم إلى طاعته، والرمه بما دخل في استطاعته. وأخذ منه من الذهب خمسين قنطارا ومن الفضة خمسين، ومن الثياب الطلس المعدنية ما بلغ الألوف وتجاوز عن المئين. وأخذ على سبيل الرهائن أربعين من خلصائه، ومعروفي كبرائه. وأخذ كل سفينة غصبا، وسحب على ذلك البحر في التعدية من مراكبه سحبا. وأنه لما عبر وفرغ من الخروج، تلقاه بالخيل والدواب والأبقار والأغنام (تركمان الاوج). ثم وقع بين التركمان وبينهم، وجالوا حولهم ثلاثة وثلاثين يوما يرومون حينهم. وهم في طريقهم سائرون، وعلى مقاتلتهم صابرون. حتى قربوا من (قونية) فاعترضه قطب الدين ولد قليج ارسلان، والتقى الأقران بالأقران، وهزمه ملك الألمان.
ولما أشرف على قونية خرج إليه جموعها، وطالت إليه بالحرب بوعها، ثم اندفعت حيث ضم على الروع روعها، وأنه هجم على قونية عنوة، ونال حظوة. وأقام خمسة أيام حتى استقرت بينه وبين قليج ارسلان قاعدة اكيدة، وحصلت لكل
منهما فائدة مهيدة. وأخذ منه رهائن عشرين، من أكابر دولته المتميزين.
وقدم كتابه إلى ابن لاون بالجواز في بلاده، فتلقاه بما أعده لإرفاده. ونزل حين وصوله إلى طرسوس على بعض الأنهار. ونام ساعة بعد تناول الطعام، ثم انتبه وتشوق إلى الاستحمام. فحرك عليه الماء البارد مرضا، وتشكى أياما قلائل مضضا، ثم قضى وانقرض أربه وانقضى. وخلفه ولده بعده واستمال جنده. وكان ابن لاون قد سار قاصدا للقاء أبيه، فلما عرف موته وجلوس ولده، اضرب عن تلقيه. وعرض عسكره في اثنين وأربعين ألف مجفجف، من كل سرحان اهرت وذئبا غضف. وأما الرجالة فلكثرتهم تعذر العرض، وغص بهم طول الأرض والعرض. وقد لبسوا الحديد للحداد على البيت المقدس، وهجروا الثياب، ولزموا المصاب، وداوموا الاكتئاب. وهم صابرون على الشقاء والتعب، لأمل الظفر بالطلب.
ولما بلغت هذه الاخبار، اضطربت الديار، وارتاعت الانجاد والأغوار. وقالوا: هذا جانب لا يطاق، وأي جانب قصده عنه لا يعاق. ولا شك إنه يتوسط بلاد الشام، ويثلم ثغور الإسلام، ويشغلنا عما نحن فيه من هذا الاهتمام.
وعزم السلطان على استقبالهم بالردى والرد، وصدهم عن القصد. ثم ثبت على رأى الثبات، وتنظر الأوقات بما يتجدد من الحادثات. وتقلقلت عزائم الذين بلادهم