فصل إلى الديوان العزيز

ولما كان يوم السبت أهل الجمعة على أهل الأحد، ورمى الأصحاب المحصورون المنصورون عدد العدو وأبراجه بقدور النفط من البلد، فخطبت السنة النيران على تلك الأعواد، بل على تلك الأطواد، وألحفتها رداء الردى وألحقتها بالوهاد،

وفرشت رمادها لمأتم أولئك المراد.

فكانت تلك النار على الكفر ضراما، وعلى الإسلام بردا وسلاما. واحترقت الأبراج الثلاثة على معتقدي التثليث، ودبت النار إلى الدبابات بصدمة التأثير وحدمة التأريث. وما أطول ألسن النار وأفصحها بالدعاء على أهلها بالتبار، وقد أبدت إلى الإسلام بتضرمها وتضرعها وجه الاستبشار. وما أحسنها وهي (ترمى بشرر كالقصر). ويكسو سنى لهبها وجوه المؤمنين بمشر النصر.

وما أقطعها لدابر المشركين وقد خصت بإحراق تلك الآلات عن البلد أجنحة الحصر، وبسم بعد عبوس البوس باسم الله ثغر الثغر. وقد بغتت هذه الفجيعة فجأة من حوته تلك البروج، ودخل إلى طبقاتها قوم لإطفاء النار فتعذر عليهم الخروج. وهلك فيها أكثر من ثلاثمائة دارع، وخرج من أهل البلد لما حق الفرج كل مسابق إلى الغنيمة مسارع. وكسبوا من الدروع والمناصل والسيوف، كل ما وجدوه خلل رماد تلك الحتوف.

وكان القوم قد اعتصموا بالأبراج وثوقا بوثاقتها، واشتدوا بشدتها فيما علق بهم من علاقتها، ووصلوا بها اجتحتهم، وذخروا فيها أسلحتهم. فأخفقت ظنونهم، وسخنت عيونهم (وخسر هنالك المبطلون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون).

فصل من كتاب إلى اليمن في وصف الأبراج وإحراقها

استنفد الفرنج أموالهم في عدد أعدوها، وآلات أجدوها. وأحكموا أبراجا شامخات، ومجانيق شادخات، وزاد غرامهم بالغرامات، واستقلوا على عمل الأبراج كثرة الخسارات. ومكثوا مدة على لجاجهم، يطرقون بين يدي أبراجهم، ويمهدون الأرض لتسوية منهاجهم.

فلما قدموها بعد لأي؛ وأحكموا بأحكامها كل تدبير ورأى؛ وأشرفوا منها على سور البلد بأسوار ذات أسواء؛ وجاءوا بآلات علات وأدوات أدواء وأشفى البلد من

بلائها وأشفق؛ ووجل كل قلب وفرق، واحتجنا لمزاولة هذا الخطب الجليل، ومداواة الأمر العليل إلى أن نشغلهم بحصرنا أباهم عن التفرغ للحصر؛ وتضرعنا إلى الله في إنزال ملائكة النصر؛ فكان من لطف الله ما لم يكن في السحاب، وأتى الله المجرمين بالعذاب. وألهم أصحابنا ما داووا به المرض، وأدركوا به الغرض. وأظهرهم ظهر يوم السبت الذي خصهم فيه بالظهور، وأقدرهم على رمي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015