ووصل يوم الاثنين سادس عشر ربيع الاول رسول دار الخلافة، بالنجدة والعارفة والرحمة والرآفة؛ وهو (الشريف فخر الدين) نقيب مشهد باب لتين بمدينة السلام، فتلقاه السلطان بالاحترام والإكرام. واحتفل لوصوله، واستقبله لقبوله. وتلقاه الأمراء على الترتيب، فمنهم من تقدم نحوه إلى البعيد؛ ومنهم من وقف له القريب. ثم أخوه السلطان وأولاده واحدا بعد واحد، وماجدا بعد ماجد، وبادئا بعد عائد.
ثم ركب السلطان إليه عند القرب من سرادقه، وأدناه إليه بتعانقه. ثم سار معه قليلا، وأصحبه من خواصه وأمرائه قبيلا. حتى نزلوا به في باركاه له مضروب، وخصه بصنوف من الألطاف وضروب. ووصل معه حملان من النفط الطيار، وحملان من القنا الخطى الخطار، وتوقيع بعشرين ألف دينار تقترض على الديوان العزيز من التجار، وخمسة من الزراقين النفاطين المتقنين صناعة الإحراق بالنار.
فاعتد السلطان بكل ما احضره، وأخلص الدعاء للديوان العزيز وشكره، غير إنه أبدى رد التوقيع مع ود الصنيع، وقال: كل ما معي من نعمة أمير المؤمنين وعارفته، ولقد نعشني ما شملني من عاطفته. ولعل الله يوفقني للقيام بالفرض، ويغنيني عن الالتزام بالقرض.
وأركب الرسول مرارا معه واراه مبارك النزال، ومعارك القتال، ومصارع الرجال، ومجامع الابطال، ومطالع اللقاء. ومواضع الهيجاء. ومصالت الاقدام، ومنابت الأقدام. ومواقف الصفوف، ومصاف الوقوف. وأماكن البعوث، ومكامن الليوث. وتل الفضول، وبقية التلول. حتى يشهد بما يشاهد، ويبين له المجتهد والمجاهد، واراه ما لم يره ليأثر أثره، ويخبر بجملته ويجمل خبره.
وأقام الرسول طويلا، وأقام له السلطان من طوله دليلا، ووفر له عطاء جزيلا، وعرفا جميلا. حتى استأذن في العود فعاد، واستصحب الشكر والاحماد.
وكان الفرنج منذ نزلوا للحصار؛ شرعوا في عمل الأبراج الكبار. وركبوها من الأخشاب الطوال، والعمد الثقال. وبنوها وقدموها، ونصبوها وأحكموها. وسقفوها طباقا، وسمروها بالحديد وجعلوا لها منه أطواقا، ووثقوها شدا وشدوها وثاقا. ولبسوها بالسلوخ، وملئوها بالجروخ. وزحفوا بها إلى السور، وكشفوا بالرمى منها بعض سقوف الدور. وتساعدوا على طم، الخنادق، وتفتيح الطرائق.
ووصل من المدينة عوام، يخبر بأن التلف بها حوام. وأن البلد قد اشرف، والخطر قد أسرف، والأبراج علت،