وقامت قيامة القومص بإجلاسه. وطالبه الملك الجديد بحساب ما تولاه، فما أجاب دعوته ولا لباه. واستنصر عليه بسطاننا الملك الناصر، وأقام بطبرية في زي المتطاول المتقاصر. وضم إليه من الإفرنجية من استرغبه، بما استماحه من سلطاننا واستوهبه.
وحث العزم السلطاني على قصدهم ليرد إليه الملك، ويجد له في نظم أمره السلك. فلما اجتمعت العساكر الإسلامية، وتألفت منها الجزرية والديار بكرية والمصرية والشامية، جاء الملك إلى القومص بنفسه، وفتح له ما وجده من وحشته وعدمه من أنسه. وقال أصحاب القومص له أن لم تنصره فنحن ما نخذل الدين، ولا نكون بأيدينا مسلمين إلى المسلمين. وتمت بينهم ليوم المصاف المصافاة، وزالت المنافرة والمنافاة.
أصبح بالمخيم عارضا من العسكر لعارض ثجاج، وبحر بالعجاج عجاج، وخضم بالصواهل السوابح والمناصل والصفائح ذي أمواج. وقد رتب أبطاله وأطلابه، وسحب على وجه الأرض سحابه، ونقل به من الثرى إلى الثريا ترابه. وأطار إلى النسر الواقع من الغبار غرابه. وقد فض الفضاء ختام القتام. وشدت للشدائد كتب الكبت على حمام، وحنت ضلوع الحنايا على أجنة السهام وتكلفت العوجاء بالمعتدلة، وضمت المنفلتة إلى المنفتلة. ووفت الأوتار بالاوتار، وثار كل طلب لطلب النار. ووقف السلطان يوم العرض يرتب العسكر ترتيبا، ويبوبه تبويبا. ويعيبه بعيدا وقريبا. وقرر لكل أمير أمرا ولكل مقدام مقاما. ولكل موفق موقفا. ولكل كمين مكانا. ولكل قرن قرانا. ولكل جمر مطفئا، ولكل جمع نكفئا. ولكل زند موريا، ولكل حد ممهيا. ولكل قضية حكما، ولكل حنية سهما. ولكل يمين مقضبا. ولكل يمان مقبضا. ولكل ضامر مضمارا، ولكل مغوار مغارا. ولكل رام مرتمى، ولكل نام منمى، ولكل سام مسمى، ولكل اسم مسمى.
وعين لكل أمير موقفا في الميمنة والميسرة لا ينتقل عنه. ولا يغيب جمعا ولا يبرح أحمد منه. وأخرج الجاليشية الرماة الكماة من كل طلب، ووصى كل حزب بما يقربه من حزب. وقال إذا دخلنا بلد العدو فهذه هيئة عساكرنا، وصورة مواردنا ومصادرنا. ومواضع اطلابنا، ومطالع أبطالنا. ومصارع أسنتنا، وشوارع أعنتنا. وميادين جردنا، وبساتين وردنا. ومواقف صروفنا، ومصارف وقوفنا. ومرامي مرامنا، ومجالي مجالنا.
وقوى الآمال بما بذله من الأموال، وحقق في إنجاز المواعد وإنجاح