فقال له الملك أنت قد قلبتك الآفة، وفي قلبك المخافة. وأنت للحور رخو، وللخشية حشو. وأنا لا بد أن أصدمه وأصده، وأكدمه وأكده، وأرادده حتى أرده. وأقيم صليب الصلبوت فلا يعقد عنه من أهل الأحد. وأمد يد الأيد لجمعي فلا تمتد لأهل الجمعة يد.
فقبل القومص قوله على مضض، وصح ظاهره معه على ما كان في الباطن من مرض. ولما أحس منه الملك بالوفاء والوفاق؛ وعدم أهل الشقاء ما وجدوه بينهما من الشقاق؛ اشتغلوا بالحشد والحشر، والطي والنشر.
لما هلك الملك أمارى بن فلك في آخر سنة تسع وستين وخمسمائة خلف ولدا مجذوما، وكان مع الوجود معدوما. قد أعضل داؤه، وأيس شفاؤه، وسقطت أعضاؤه، وطال بلاؤه. فوضع الفرنج التاج على رأسه، وتمسكوا مع إمراضه بأمراسه. ونفخوا في ضرمه، وتسمنوا بورمه، وصحوا بسقمه، ورقوا في سلمه، ورضوا بتقدمه. وأكبروه وأركبوه، واقدموا به وقدموه، وهم يكرثون بحذاذ ملكهم هذا، ولا يكترثون بجذامه، ويحمون حماه أن يحم حلول حمامه، وبقى بينهم زهاء عشر سنين ملكا مطاعا، معارا من إشفاقهم واتفاقهم مراعى.
فلما أحس بهلاكه، وسكون حراكه. أحضر البطرك والقسوس، والمقدمين والرءوس. وكان له ابن أخت صغير؛ عن التطاول إلى الملك قصير، وقال لهم:
الملك في هذا، ولكن القومص يكلفه مدة سني صغره، وهو يستقل بع بعد كبره. فهو الآن لا يستبد، ومن أمر القومص يستمدز فقبل القومص الوصية، وجمع إليه الأطراف الدانية والقصية، وسكن طبرية. فإن صاحبتها كانت تزوجت به، وطمعت في قوته وقربه.
وهلك الملك المجذوم، وظهر السر المكتوم. وطمع القومص في الملك استقلالا، فعدم موافقة الداوية. وقالوا يلزمك العمل بشرط الوصية. فكفل بالأمر وهو مغلوب، وتفقد اختياره فإذا هو مسلوب. ورغب في مقاربة السلطان صلاح الدنيا والدين، ليقوى بجانبه، ويحظى من مواهبه. فاشتد أزره، واستد أمره، واستقل بنفسه، واستولى على جنسه، حتى مات الملك الصغير فانتقل الملك منه إلى أمه، وبطل ما كان في عزم القومص برغمه.
وانتقل الملك إليها، واجتمع الفرنج عليها. فقال لهم زوجي أقدر. وهو أحق بالملك وأجدر وأخذت التاج من رأسها فوضعته على رأسه، وعاش رجاءه بعد يأسه. وراش غناه بعد إفرسه، وانتاش ابليسه بعد ابلاسه