نهارا. والليل للعاشقين ستر، ولكم أدلج من له وتر، والنهج وأن بعد فهو في قرب عزمنا فتر. ومن رام النفس الخطير رمى نفسه في الخطر، وطار إلى الوطر، وغرب إلى الغرر.
ثم عزموا على ما زعموا، وعملوا بما عته عموا. وخطروا إلى الخطر، وحاولوا بما لهم من القدر مزاولة القدر. وتوقلوا في الأكم، وتوغلوا في الأجم. وتبطنوا في الأودية، وتكمنوا في الأفنية. واحترسوا بالكمون، واحترزوا من العيون، وتحركوا على السكون. وكادوا يصلون إلى الموضع ويحصلون على المطمع. ويدركون الطلاب، ويهتكون الحجاب، ويعيدون إلى الحصن روحه، ويأسون بعد اليأس جروحه. فعثر - بواحد عثر منهم - بعض المتصيدين قتصيده، وقاده وقيده. وأتى به إلى صاحبه صارم الدين قايماز؛ واستغرب الإفرنجي من هناك الجواز. فأخبره بالحال، وأن بالوادي مكمن الرجال. فركب إليهم في أصحابه، والتقطهم من سرر الوادي وشعابه، وركب الشجاع (مسعود) في طلب أولئك الأشقياء، وانتشر الناس في تلك الاكناف والأرجاء. فما نجا منهم ناج، ولا نجح راج. ولا عاش عاش، ولا حصل عاثر بانتعاش.
فما شعرنا ونحن على صفد للحصار، والسلطان مطل من بيت الخشب على من حوله من الأنصار؛ حتى وصل صاحب قايماز بالأسارى مقرنين في الاصفاد، مقودين في الاقياد. وكان فيهم مقدمان من الاسبتار، وقد أشفيا على التبار. فإن السلطان ما كان يبقى على أحد من الاسبتارية والداوية، فأحضروا عند السلطان للمنية. فأنطقهما الله بما فيه حياتهما، وناجيا بما فيه نجاتهما. وقالا عند دخولهما؛ وأمام مثولهما؛ ما تظن أننا بعد ما شاهدناك يلحقنا سو، فعرفت أن بفائهما مرجو. وانتظرت أمر السلطان فيهما وأيقنت أنه يبقيهما. فمال إلى مقالهما، وأمر باعتقالهما. فإن تلك الكلمة حركت منه الكرم، وحقنت منهما الدم.
واستبشرنا بانعكاس ما أحكمه الكفر من التدبير، وإتعاس من جردوه بالتدمير. وفتح الله علينا صفد ثامن شوال، فشكرناه على أن مداد النصر متوال، وسلمت القلعة إلى شجاع الدين طغرل الجاندار فهو بها وال.
وجئنا إلى كوكب، ووجدناها في مناط الكوكب. كأنها وكر العنقاء، ومنزل العواء. قد نزلتها كلاب عاوية، ونزعت بها ذئاب غاوية. ونزت فيها سباع ضارية، وحمتها بجميتها وأبت النزول على أمنيتها ولو بنزل منيتها.
واختارت العطب على العطاء، وامترت خلف الخلف والشقاق للشقاء، وأبت غير الآباء. وبصرت بالأمر فصبرت على الضر، وأصرت على تحمل الإصر. وترامت على التعامي بالمصائب،