يقتضي تصحيحَ ما نقلَه الجوهريُّ، ولا وجودِ برهان لما نسبه صاحبُ القاموس إليه [22] من الغلطِ في نفس الكتابينِ، ثم ذكرت أن الناظر في الكتابينِ إن تمكن من البحث في غير الكتابين المفضي إلى وجودِ برهان يقتضي تصحيحَ ما نقلَه الجوهري فقد تعيَّن عليه العملُ بما وجده من تصحيحِ الروايةِ، وعدمِ التعويلِ على من نقل الغلطَ، وإن تمكَّن من الوقوفِ على ما هو برهانٌ للتغليظ كان عليه الجزمُ به وإن لم نقفْ في الكتابينِ، ولا في غيرهما على برهان يصححُ النقل، أو يوضِّحُ الغلطَ، وجبَ عليه التوقُّفُ في ذلك الحرف، لأن إمامةَ ناقلِه التي هي كالقرينةِ على صحةِ ما نقلَه قد عُورِضَتْ بإمامة من خالفه في ذلك الحرفِ، فإنها كالقرينة على صحة ما نسبهُ من الغلط، فكان المقامُ مقامَ توقُّفٍ بين الإمامينِ، والموضعُ موضعُ حيرةٍ عن التخلُّص من البينِ. ولا معارضةَ بين ما ذكرناه في هذا الوجهِ الرابعِ من ذلك الجوابِ، وبين ما ذكره في الوجه الأول منه بوجهين:

الأول: إن نفي قبولِ التغليط الذي صرَّحنا به في الوجه الأول هو فيما كان منه مجرَّدًا ليس فيه إلا دعوى بحتةٍ، وما ذكرناه في الوجه الرابع هو حيثُ اقترنَ بذلك من إمامة الناقل وثقتِه ما يكون كالقرينة المقتضية لتصحيح ما قاله.

الوجه الثاني: إن ما ذكرناه في الوجهِ الأولِ من الوجوه الأربعةِ هو عدمُ قبول التغليطِ المجرد، وما ذكرناه من التوقُّف في الوجهِ الرابعِ غيرُ منافٍ لعدم القبولِ، لأن قبول تغليطِ صاحب القاموس يستلزمُ الجزمَ بما جزم به من الغلط بخلافِ مجرَّد التوقُّفِ، فإنه لا قبولَ فيه بل حيَّرهُ بين ما وقع في كلامِ الإمامينِ، فلا منافاةَ بين عدم القبولِ جزمًا، وبين مجرَّدِ التوقُّف لا بمطابقةِ، ولا تضمُّنٍ، ولا التزامٍ، فعرفتَ بها عدمَ صحة ما زعمه السائل ـ عافاه الله ـ من المنافاة، بل الوجوهُ متعاضدةٌ والكلامُ متناسقٌ.

قال ـ كثر الله فوائده ـ: نعم قد يكون الغلطُ من الجوهري بما يعرفه كل من له أدنى عرفانٍ فلا يحتاج مع ذلك إلى برهان ... إلخ.

أقول: هذا الذي يعرفُه من له أدنى عرفانٍ هو من البرهانِ بأعلى مكان [23] فإنّا لم نخصَّ البرهانَ بما يجده الناظرُ في كتب اللغة، أو يسمعه من الرواة بالسند المتصل، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015