فما ثبت الأمر به في الكتاب والسنة وجوباً أو ندباً فهو الحسن الجميل، والأدب [1أ] الصالح، والعمل المقبول، وما خالف ذلك فهو على العكس من هذا كائناً ما كان، وعلى أي صفة وقع، وبأي صورة وجد.
إذا عرفت هذا فما ذكره هذا السائل في سؤاله، وجعله معادلاً للامتثال لا يصلح لذكره في مقابلة الأدلة التي يجب امتثالها إن كانت مفيدة للوجوب، أو يندب فعله إن كانت مفيدة للندب، وذلك الذي ظن الظان أنه أدب ليس بأدب شرعي، إنما هو أدب شيطاني عورض به الدليل الشرعي.
ومعلوم أنه لو قال قائل: أيهما أفضل عملي بالدليل أو تركي له، وعدولي إلى ما لا دليل عليه؟ لقال كل سامع يسمعه: ليس هذا السؤال من سؤل من له فهم، فإن كون التمسك بالدليل أولى من مخالفته، وأحسن من فعل غيره لا يخفى على مقصر ولا على كامل، ولكنه لما أورد السائل سؤاله بهذه العبارة المجملة، ثم يتيقظ المسئولون لما هو المراد منهما، وكثيراً ما قد سمعنا إيراده في مجامع أهل العلم فلا يظفر السائل بغير الحيرة وعدم الفائدة، والأمر أظهر من أن يتوقف فيه متوقف، أو يتردد عنده متردد، لأنه لا يشكل على من لديه أدنى علم بأن ما دل عليه الدليل أولى مما لا دليل عليه فضلاً عن فعل ما يخالف ذلك الدليل نفسه، وهذا من الظهور والجلاء بمنزلة لا تخفى إلا على غريق في العامية، مترد بثياب الجهل.
ومن أعظم أسباب التحير في جواب هذا السؤال أنهم يمثلونه بأمثلة عند المحاورة يتعاظم المسئول مخالفتها، ولو تأملها المسئول حق التأمل لوجدها مما دل عليه دليل بعمومه أو بخصوصه، وما كان كذلك، فليس مما يدخل تحت هذا السؤال، ولا مما يندرج في جملته، والجواب عنه ظاهر واضح، لأن الدليل [1ب] الذي دل عليه إن كان أعم من مقابله خصص به، وإن كان أخص من مقابله كان هذا الدليل الخاص تخصيصاً