عليه، فإن كان عاطلا عن المعارف العلمية وسعه ما وسع المقصرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم من سؤال أهل العلم عن الحكم في الحادثة التي هي من مسائل العبادة، أو المعاملة على وجه استروى النص لا على وجه التقليد، وإن كان قادرًا على الاطلاع على النص، محصلا لما يفهمه به، وهو من جمع تلك العلوم فليس عليه إلا ما تبلغ إليه قدرته، وإذا عجز في بعض الحوادث سأل عنها سؤال من يطلب الرواية لا من يطلب الرأي، ونظر في ذلك المروي بما لديه من تلك العلوم، وهذا اجتهاد لا تقليد. ولا يحل له أن يقوم في مقام الإرشاد للعباد في شيء لم يبلغ إليه دليله مع وجود من هو أعلم منه بالشريعة في عصره وقطره، لأنه يظن في كل من هو أعلم منه أنه يعلم بدليل لا يعلمه، ويقدر على استنباط لا يقدر عليه، وهذا يجده كل رجل من نفسه [15أ].
وقلتم: ولدينا من هو متأهل للنظر ... إلخ.
أقول: هذا مسلم فإن في أهل ذلك البيت الشريف، والمحتد العالي المنيف من هو كذلك وفوق ذلك، بل وفي الواردين إليه المستقرين فيه، ولسنا ممن ينكر وجود المجتهدين في ذلك المحل الذي هو محط رجال العلوم والآداب، ولكنا نقول: يجب عليكم تفويض ما عرض من الشجار بين أهل المحل، وما يرجع إليه إلى من تعرفون أهليته للحكم بما أنزل الله في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله، مع الثقة بدينه وأمانته وورعه، وإذا أشكل الأمر، أو تعارضت الأنظار فرفع ما أشكل، ودفع ما تعارض ممكن، ولا تفوضون في القضايا التي لا يرفع الخصام فيها إلا الحكم الشرعي من ليس له أهلية، وملكة يقتدر بها على الحكم بما شرعه الله لعباده، ثم يجب عليكم إذا كان المتخاصمان في مكان بين جهتكم وجهة أخرى، وطلب أحدهما الآخر إلى حاكم جامع للأمور المعتبرة أن تأمروا الآخر بالإجابة له؛ فإن الطالب هو الداعي إلى شرع الله، ولا حجر عليه أن يدعو خصمه إلى حاكم ليس في الجهة التي فيها المتولي عليهما، أو على أحدهما، أو ليس في الجهة التي يسوق أحدهما أو كلاهما زكاته إليها، لأن المفروض أن الخصمين في مكان بين الجهتين وصاحب الدعوة إلى الشريعة مخير في الدعاء إلى قضاة الشرع، ولا أتعاب هنا،