ولا بعد مسافة. وقد وجبت إجابة الداعي إلى الشريعة بمجرد كونه الطالب لها، الداعي إليها. ووجب على المسلمين خصوصًا، وعلى أولي الأمر عمومًا أن يأمروا المدعو بالإجابة إلى الشريعة المطهرة إذا كان الأمر على الصفة التي ذكرناها، ثم إذا تظلم متظلم، وصرخ صارخ بأنه قد وقع الحكم بخلاف الشريعة المطهرة، إما من حاكم متأهل غلطًا، أو جرأة، أو من مقصر خبطًا وجزافًا، وطلب منكم أن ينظر في قضيته [15ب] حاكم آخر ممن تثقون بعلمه ودينه فإجابته واجبة، لأن الحكم المذكور إن كان صوابًا فالحق لا يرد ولا يدفع، وإن كان غلطًا أو جزافًا كما زعمه المتظلم فإنصافه بإيصاله إلى الحق واجب، وليس في ذلك ما يخدش في العزيمة، ولا ما يفت في عضد الرياسة، بل هو من كمال العدل، وتمام البر، لأن نصر الشريعة، وإيصال طالبها إليها، وافتقاد تظلم المتظلم لا يزيد أهل الرياسة إلا فخامة، ولا يكسب أرباب الحل والعقد إلا ضخامة، بهذا جرت عادة الله في المتحملين للأعباء، المتقلدين للأمر والنهي، فأنفدهم أمرًا وأقواهم إيرادًا وإصدارًا، وأشدهم عضدًا، وأكثرهم مددًا، أنصرهم لهذه الشريعة، وأعظمهم اهتمامًا بشأنها، وأكثرهم إشادة لأركانها، ومن كان مطلعًا على أحوال الدول في قديم الزمان وحديثه لم ينكر هذا.

وقلتم: والمراد وجود ما لا بد منه من الشروط ... إلخ.

وأقول: هذا الذي لا بد منه هو الذي وقع فيه الاضطراب والاختلاف؛ فقد تفاوتت مذاهب أهل العلم في بيان ذلك القدر الذي لا بد منه (?)، فقد يكون القاضي مجتهدًا عند بعض أهل العلم غير مجتهد عند البعض الآخر، فالوقوف على مقدار معين لا سبيل إلى التقليد فيه، وأهل الاجتهاد يختلفون في ذلك لاختلاف قرائحهم وفهومهم وعلومهم، فحينئذٍ المقدار الذي لا بد منه لم يقع على تعيينه إجماع حتى يقال هو كذا، ولا هو أمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015