سور القرآن خطابات كثيرة لا تخلو عن ذلك إلا النادر كبعض قصار المفصل، على أن ذلك موجود في غالبها. انظر إلى قوله: {قل أعوذ برب الناس}، {قل أعوذ برب الفلق}، {قل هو الله أحد}، {فصل لربك وانحر}، {فسبح بحمد ربك واستغفره}، {قل يا أيها الكافرون} فإن المأمور بهذه الأوامر كلها هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

فإن قلت: ما ذكره الزمخشري (?) هاهنا أن الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى رسوله، هل هو متعين أم لا؟ بل يمكن التأويل بما هو مساوٍ له أو راجح عليه.

قلت: ليس بمتعين بل هاهنا تأويل آخر هو أرجح منه، وهو أن تفسر الدعوة إلى الله بالدعوة إلى كتابه الذي أنزله، وهو وإن كان مجازًا لكنه أقرب المجازين فإن ملابسة الكلام للمتكلم أتم من الملابسة الكائنة بين الرسول والمرسل، هذا باعتبار ما نجده في الشاهد، لا باعتبار الجناب الإلهي، فإنه يتنزه ويتعالى ويتقدس عن نسبة الملابسة إليه، ولكنا نسلك في مثل هذه المجازات المسالك التي نجدها في الشاهد كما يفعله أهل العلم في مثل ذلك، وأيضًا في تفسير الدعوة إلى الله - سبحانه - بالدعوة إلى كتابه تأسيس، وهو أولى من التأكيد الذي يستفاد من تفسير الدعوة إلى الله بالدعوة إلى رسول الله، وإني أظن أن هذا الذي قلته قد قال به غيري من أهل التفسير، ولكني لم أنظر عند تحرير هذا في شيء من التفاسير، لا في الكشاف ولا في غيره.

قال - كثر الله فوائده -: ويؤيد هذا إفراد ضمير الفاعل في {لتحكم} الراجع إلى ما قبله فلا يثبت هذا الحكم لغير رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلا بالقياس، وللمانع أبدًا الفارق، وهكذا يقال في آية سورة النساء وهي قوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك} (?) الآية. والخصوص فيها أوضح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015