يَثْبُتَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا صَنَعَ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْقَوَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ هُوَ، وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الَّذِي قَتَلَهُ هَذَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
لَوْ أَنَّ لُصُوصًا أَخَذُوا مَتَاعَ قَوْمٍ فَاسْتَغَاثُوا بِقَوْمٍ، وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ إنْ كَانَ أَرْبَابُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ حَلَّ قَتْلُهُمْ، وَكَذَا إذَا غَابُوا وَالْخَارِجُونَ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَيَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ الْمَتَاعِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَلَوْ اقْتَتَلُوا مَعَ قَاطِعٍ فَقَتَلُوهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لِأَجْلِ مَالِهِمْ فَإِنْ فَرَّ مِنْهُمْ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ تَرَكُوهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ لَا لِأَجْلِ مَالِهِمْ، وَلَوْ فَرَّ رَجُلٌ مِنْ الْقُطَّاعِ فَلَحِقُوهُ، وَقَدْ أَلْقَى نَفْسَهُ إلَى مَكَانٍ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَقَتَلُوهُ كَانَ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ إيَّاهُ لَا لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَيَقْتُلَ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
مَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ سِيَاسَةً، كَذَا فِي الْكَافِي.
كِتَابُ السِّيَرِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَشَرَةِ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ (أَمَّا تَفْسِيرُهُ) فَالْجِهَادُ هُوَ الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَالْقِتَالُ مَعَ مَنْ امْتَنَعَ وَتَمَرَّدَ عَنْ الْقَبُولِ إمَّا بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْمَالِ.
(وَأَمَّا شَرْطُ إبَاحَتِهِ) فَشَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: امْتِنَاعُ الْعَدُوِّ عَنْ قَبُولِ مَا دُعِيَ إلَيْهِ مِنْ الدِّينِ الْحَقِّ، وَعَدَمُ الْأَمَانِ وَالْعَهْدِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْجُوَ الشَّوْكَةَ وَالْقُوَّةَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مَنْ يُعْتَقَدُ فِي اجْتِهَادِهِ وَرَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُو الْقُوَّةَ وَالشَّوْكَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْقِتَالُ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي التَّهْلُكَةِ.
(وَأَمَّا حُكْمُهُ) فَسُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ فِي الدُّنْيَا وَنَيْلُ الْمَثُوبَةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْعِبَادَاتِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْجِهَادُ قَبْلَ النَّفِيرِ تَطَوُّعٌ، وَبَعْدَ النَّفِيرِ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَبْلَ النَّفِيرِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبَعْدَ النَّفِيرِ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَعْنَى النَّفِيرِ أَنْ يُخْبَرَ أَهْلُ مَدِينَةٍ أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ جَاءَ يُرِيدُ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَإِذَا أَخْبَرُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اُفْتُرِضَ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَنْ يَخْرُجَ لِلْجِهَادِ وَقَبْلَ هَذَا الْخَبَرِ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ يَخْرُجُوا، ثُمَّ بَعْدَ مَجِيءِ النَّفِيرِ الْعَامِّ لَا يُفْتَرَضُ الْجِهَادُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا فَرْضَ عَيْنٍ وَإِنْ بَلَغَهُمْ النَّفِيرُ، وَإِنَّمَا يُفْرَضُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ.
أَمَّا عَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِمَّنْ يَبْعُدُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَا فَرْضَ عَيْنٍ حَتَّى يَسَعَهُمْ تَرْكُهُ، فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ بِأَنْ عَجَزَ مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ تَكَاسَلُوا، وَلَمْ يُجَاهِدُوا، فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْرَضَ عَلَى جَمِيع أَهْلِ الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ يَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنْفِرُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا مُنَادِي السُّلْطَانِ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْلَى ثَغْرٌ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُقَاوِمُ الْعَدُوَّ فِي قِتَالِهِمْ، وَإِنْ ضَعُفَ أَهْلُ ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ وَخِيفَ عَلَيْهِمْ، فَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْفِرُوا إلَيْهِمْ