فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ قَوْلَانِ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا يَسْتَوْفِي الْقَطْعَ، وَعَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ يَسْتَوْفِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ غَيْبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَالْآخَرِ جَمِيعًا.
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى سَرِقَةٍ ثُمَّ غَابَا بَعْدَ مَا ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُمَا، أَوْ مَاتَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ، فَفِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا الْقَاضِي لَا يَقْضِي، وَلَا يُمْضِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَقْضِي وَيُمْضِي، وَأَمَّا إذَا فَسَقَا، أَوْ عَمِيَا، أَوْ ارْتَدَّا، أَوْ ذَهَبَ عُقُولُهُمَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ مُنِعَ الْقَضَاءُ، وَإِنْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ فَإِنَّهُ مَنَعَ الْإِمْضَاءَ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا سَرَقَا مِنْ فُلَانٍ، وَبَيَّنَا السَّرِقَةَ، وَأَحَدُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا غَائِبٌ لَمْ يُوجَدْ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يُقْطَعُ الْحَاضِرُ فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ فَقَدَّمَهُ رَبُّ الْمَالِ إلَى الْقَاضِي، فَالْقَاضِي يَأْمُرُهُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِقَطْعِ سَارِقٍ، فَعَفَا الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا، كَذَا فِي الْإِيضَاحِ.
وَإِذَا شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ، وَمُسْلِمٍ بِسَرِقَةٍ لَا يُقْطَعُ الْكَافِرُ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ.
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً، وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: بَيْضَاءُ، وَقَالَ الْآخَرُ: سَوْدَاءُ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا قَالَ الْكَرْخِيُّ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي لَوْنَيْنِ يَتَشَابَهَانِ كَالْحُمْرَةِ، وَالصُّفْرَةِ، وَأَمَّا مَا لَا يَتَشَابَهَانِ كَالسَّوَادِ، وَالْبَيَاضِ، فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْرًا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ هَرَوِيٌّ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّهُ مَرْوِيٌّ ذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إجْمَاعًا، وَإِذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ هَذَا مَتَاعِي كُنْت اسْتَوْدَعْته فَجَحَدَنِي، أَوْ اشْتَرَيْته مِنْهُ، أَوْ أَقَرَّ لِي بِهَذَا دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا الْمَالَ هَذَا الرَّجُلُ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا هَذَا الْآخَرُ، وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ يَدَّعِي السَّرِقَةَ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ أَكْثَرَ، وَالْعَبْدُ يَجْحَدُ فَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ حَاضِرًا قُطِعَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَهَلْ يَضْمَنُ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا؟ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً رَدَّهَا عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا لَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا بِسَرِقَةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَضَى الْقَاضِي بِالْمَالِ، وَلَا يَقْضِي بِالْقَطْعِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمَأْذُونِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْمَالِ، وَلَا يَقْضِي بِالْقَطْعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى عَبْدٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَا بِالْقَطْعِ، وَلَا بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالسَّرِقَةِ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا حَتَّى لَا يُقْطَعَ الْعَبْدُ، وَلَا يُؤَاخَذَ الْمَوْلَى بِبَيْعِهِ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَلَكِنْ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي فَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ.
اللِّصُّ إذَا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ، وَأَخَذَ الْمَتَاعَ، وَأَخْرَجَهُ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اللِّصُّ إذَا كَانَ يَنْقُبُ الْبَيْتَ فَرَآهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ صَاحَ بِهِ فَإِنْ ذَهَبَ، وَإِلَّا فَلَهُ قَتْلُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ إذَا رَآهُ يَنْقُبُ بَيْتَهُ فَقَتَلَهُ يَغْرَمُ دِيَتَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسَعُهُ قَتْلُهُ، وَلَا يَغْرَمُ دِيَتَهُ ذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ