رَهْنًا بِدَيْنٍ لِي عَلَيْهِ دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى السَّارِقِ بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارٍ ثُمَّ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ هَذَا مَتَاعُهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنِّي إنَّمَا كُنْتُ اسْتَوْدَعْته، أَوْ قَالَ شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ، أَوْ أَقَرَّ هُوَ بِالْبَاطِلِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مُكْرَهًا فَإِقْرَارُهُ بَاطِلٌ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ إذَا أَنْكَرَ السَّرِقَةَ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْإِمَامَ يَعْمَلُ فِيهِ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ سَارِقٌ، وَأَنَّ الْمَالَ عِنْدَهُ عَذَّبَهُ، وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَزِّرَهُ كَمَا لَوْ رَآهُ الْإِمَامُ يَمْشِي مَعَ السُّرَّاقِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
ادَّعَى عَلَى آخَرَ سَرِقَةً كَانَ عَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَالضَّرْبُ خِلَافُ الشَّرْعِ، وَلَا يُفْتَى بِهِ؛ لِأَنَّ فَتْوَى الْمُفْتِي يَجِبُ أَنْ تُطَابِقَ الشَّرْعَ.
ادَّعَى عَلَى آخَرَ سَرِقَةً فَقَدَّمَهُ إلَى السُّلْطَانِ، وَطَلَبَ مِنْ السُّلْطَانِ أَنْ يَضْرِبَهُ حَتَّى يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ فَضُرِبَ مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أُعِيدَ إلَى السِّجْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَذَّبَ فَخَافَ الْمَحْبُوسُ فَصَعِدَ خَوْفًا مِنْ التَّعْذِيبِ فَسَقَطَ فَمَاتَ، وَقَدْ لَحِقَهُ مِنْ هَذَا الْحَبْسِ غَرَامَةٌ، وَالسَّرِقَةُ ظَهَرَتْ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا صَاحِبَ السَّرِقَةِ بِدِيَةِ أَبِيهِمْ، وَبِالْغَرَامَةِ الَّتِي أَدَّى إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ حَصَلَ بِتَسْبِيبِهِ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسْبِيبِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى.
إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ لَا يُتْبَعُ، وَإِنْ كَانَ فِي فَوْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ فَإِنَّهُ يُتْبَعُ فِي فَوْرِهِ، وَيُقْطَعُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا قَالَ الرَّجُلُ أَنَا سَارِقٌ هَذَا الثَّوْبَ فَنَوَّنَ الْقَافَ، وَنَصَبَ الْبَاءَ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ بِالْإِضَافَةِ يُقْطَعُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَبْدٌ لِرَجُلٍ فِي يَدَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَهَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مُكَاتَبًا، وَأَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ، أَوْ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَالْمَالِ، فَيَقْطَعُ يَدَ الْعَبْدِ، وَيَرُدُّ الْمَسْرُوقَ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُقْطَعُ، وَيَرُدُّ الْمَالَ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فِي الْمَالِ، وَقَالَ الْمَالُ مَالِي، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَالْمَالِ جَمِيعًا فَيُقْطَعُ الْعَبْدُ، وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا كَانَ ظُهُورُ السَّرِقَةِ بِالشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَلَا يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ لَا فِي حَقِّ الْقَطْع، وَلَا فِي حَقِّ الْمَالِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ فِي حَقِّ الْمَالِ عِنْدَنَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ عَلَى الْمَالِ، وَلَا تُقْبَلُ عَلَى الْقَطْعِ، وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ بِذَلِكَ فَالْقَاضِي يَقْبَلُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَالِ، وَالْقَطْعِ جَمِيعًا، وَيَسْأَلُ الشَّاهِدَيْنِ عَنْ مَاهِيَّةِ السَّرِقَةِ ثُمَّ يَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَسْرُوقِ عَنْ جِنْسِهِ، وَعَنْ مِقْدَارِهِ، إذَا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ فَلَا يَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَسْرُوقِ جِنْسًا، وَقَدْرًا، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى السَّرِقَةِ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ يَسْأَلُهُمَا كَيْفَ سُرِقَ، وَيَسْأَلُهُمَا عَنْ الْمَكَانِ، وَالْوَقْتِ، وَالْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَيْضًا فَإِذَا نَهَيْنَا جُمْلَةَ ذَلِكَ، وَعَرَفَ الْقَاضِي الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ قَضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِالْقَطْعِ مَا لَمْ يَتَعَرَّفْ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ بِالسُّؤَالِ مِنْ الْمُزَكَّى، وَيَحْبِسُ السَّارِقَ إلَى أَنْ تَظْهَرَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ، فَإِنْ عُدِّلَتْ الشُّهُودُ بَعْدَمَا حُبِسَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَقْضِي بِالْقَطْعِ، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا، فَقَضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ ثُمَّ غَابَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْكِتَابِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -