هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاتِّفَاقِ لَا خِلَافَ فِيهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الصُّلْحِ، فَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْحِيَلِ فَفِيهَا مُخَالِفٌ قِيلَ: الْمُخَالِفُ زُفَرُ، وَقِيلَ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
فَإِنْ طَلَبَا حِيلَةً حَتَّى يَجُوزَ هَذَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: يَحُطُّ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمَدْيُونِ ثَمَانَمِائَةٍ يَبْقَى مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ عَلَى مِائَةٍ يُؤَدِّيهَا إلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا صُلْحَ بَيْنَهُمَا.
وَمِثْلُ هَذَا الصُّلْحِ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَمَّا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ إلَى تَمَامِ الْمِائَتَيْنِ، أَيْضًا وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْحِيَلِ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ السَّمَرْقَنْدِيَّة إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا إلَى شَهْرٍ فَمِائَتَا دِرْهَمٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الصُّلْحُ حَطَّا؛ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ مَجْهُولٌ وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ إنْ أَوْفَاهُ مِائَةً فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوطِ وَإِنْ لَمْ يُوفِهِ فَالْمَحْطُوطُ ثَمَانُمِائَةٍ، وَجَهَالَةُ الْمَحْطُوطِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْحَطِّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الْحِيَلِ كَذَلِكَ فَيَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
(رَجُلٌ) مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً وَفِي أَيْدِيهِمَا دَارٌ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُهُ فَصَالَحَاهُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى مَالٍ؛ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَا صَالَحَاهُ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ فَالْمَالُ عَلَيْهِمَا أَثْمَانًا وَالدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا، وَإِنْ كَانَا صَالَحَاهُ عَلَى إقْرَارٍ مِنْهُمَا فَالدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ طَلَبًا حِيلَةً حَتَّى يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَتَكُونَ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا وَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا فَالْحِيلَةُ أَنْ يُصَالِحَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا عَلَى إقْرَارٍ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَلِلِابْنِ سَبْعَةَ أَثْمَانٍ، فَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَكَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُصَالِحُ عَلَيْهِمَا بِبَدَلِ الصُّلْحِ أَثْمَانًا إنْ كَانَا أَمَرَاهُ بِالصُّلْحِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِمَا فَكَانَ صُلْحُهُ مُسْقِطًا دَعْوَى الْمُدَّعِي فَإِذَا سَقَطَتْ دَعْوَاهُ صَارَتْ الدَّارُ مَمْلُوكَةً لَهُمَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَتَكُونُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَبَدَلُ الصُّلْحِ يَكُونُ كَذَلِكَ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ حِيَلِ الْأَصْلِ وَقَالَ: الْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّا لِلْمُدَّعِي بِالدَّارِ ثُمَّ يُصَالِحَاهُ مِنْهَا عَلَى كَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ ثُمُنُ الدَّارِ وَلِلِابْنِ سَبْعَةُ أَثْمَانِ الدَّارِ، فَإِذَا صَرَّحَا بِذَلِكَ كَانَ الْمِلْكُ فِي الدَّارِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا صَرَّحَا بِهِ وَالثُّمُنُ كَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا دَارًا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا ثُمُنُهَا وَلِلْآخَرِ سَبْعَةُ أَثْمَانٍ.
(رَجُلٌ) مَاتَ وَتَرَكَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ أَوْ عُرُوضًا فَأَرَادَ وَرَثَةُ الزَّوْجِ أَنْ يُصَالِحُوا الْمَرْأَةَ مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ التَّرِكَةِ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ اعْلَمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: (الْأَوَّلُ) إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَقَدْ تَرَكَ الزَّوْجُ دَرَاهِمَ وَعُرُوضًا وَصُولِحَتْ عَلَى دَرَاهِمَ، إنْ كَانَ مَا أَخَذَتْ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ جَازَ وَيُجْعَلُ الْمِثْلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِالْمِثْلِ وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ الْعُرُوضِ، غَيْرَ أَنَّ مَا يَخُصُّ الدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَكُونُ صَرْفًا فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ مُقِرِّينَ بِالتَّرِكَةِ غَيْرَ مَانِعِينَ