(الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْهِبَةِ) امْرَأَةٌ حَامِلٌ تُرِيدُ أَنْ تَهَبَ الْمَهْرَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا كَانَ الزَّوْجُ بَرِيئًا عَنْ مَهْرِهَا، وَإِنْ عَاشَتْ وَسَلِمَتْ مِنْ نِفَاسِهَا عَادَ الْمَهْرُ عَلَى زَوْجِهَا فَالْحِيلَةُ لَهَا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ الزَّوْجِ شَيْئًا قَلِيلَ الْقِيمَةِ بِمَا لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَنْظُرُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِنْ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَدْ بَرِئَ الزَّوْجُ، وَإِنْ سَلِمَتْ رَدَّتْ الشَّيْءَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَعُودُ الْمَهْرُ عَلَى زَوْجِهَا قَالُوا: وَهَكَذَا فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَغِيبَ وَلَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ بَرِيئًا إنْ لَمْ يَعُدْ، وَإِنْ عَادَ أَخَذَ الْمَالَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ شَيْئًا وَيَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ إنْ عَادَ يَرُدُّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَعُودُ الدَّيْنُ، وَإِنْ مَاتَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَبَرِئَ الْمَدْيُونُ عَنْ الدَّيْنِ بِشَيْءٍ قَلِيلِ الْقِيمَةِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا يَسْتَقِيمُ إذَا بَقِيَ الشَّيْءُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ غَيْرُ مُوَقَّتٍ وَبِهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ فَيَعُودُ الْمَهْرُ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ إلَّا أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَتَغَيَّبُ عِنْدَهَا أَوْ يَهْلَكُ فَيَتَعَذَّرُ رَدُّهُ فَالسَّبِيلُ أَنْ تَشْتَرِيَ الثَّوْبَ وَتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الزَّوْجِ كَيْ لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا الرَّدُّ إذَا سَلِمَتْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.
(رَجُلٌ) قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ تَهَبِي صَدَاقَكِ مِنِّي الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَاسْتَأْذَنَتْ أَبَاهَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْأَبُ: إنْ وَهَبْتِ صَدَاقَكِ فَأُمُّكِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْ زَوْجِهَا ثَوْبًا مَلْفُوفًا فِي شَيْءٍ بِمَهْرِهَا وَتَقْبِضَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الزَّوْجِ، فَإِذَا مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ فَقَدْ مَضَى وَقْتُ الْيَمِينِ وَلَا مَهْرَ لَهَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَتَسْقُطُ الْيَمِينُ وَلَا يَحْنَثُ الزَّوْجُ بِتَرْكِ الْهِبَةِ، ثُمَّ تَكْشِفُ عَنْ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى فَتَرُدُّهُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَيَعُودُ الْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا تَطْلُقُ أُمُّهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مَا وَهَبَتْ الْمَهْرَ، وَإِنَّمَا اشْتَرَتْ بِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الرَّجُلِ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ مُعَامَلَةً) الرَّجُلُ إذَا طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ مُعَامَلَةً مَثَلًا بِمِقْدَارِ ثَمَانِمِائَةٍ وَأَبَى الْمَطْلُوبُ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِبْحِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَرَادَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَتَاعَ بِثَمَانِمِائَةٍ حَالَّةٍ يَدْفَعُهَا إلَى الطَّالِبِ لِيَحْصُلَ فِي يَدِ الطَّالِبِ ثَمَانُمِائَةٍ وَيَكُونُ لِلْمَطْلُوبِ مِنْهُ عَلَى الطَّالِبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا فَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ، فَإِنْ طَلَبَا فِي ذَلِكَ حِيلَةً فَالْحِيلَةُ أَنْ يُدْخِلَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَتَاعِ نُقْصَانًا يَسِيرًا، ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْ بَائِعِهِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَيَكُونُ نُقْصَانُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي اُحْتُبِسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ قَلِيلًا؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْقَلِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُقَابِلَهُ بَدَلٌ كَثِيرٌ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْحِيلَةَ وَهَذَا مِنْهُ نَوْعُ تَوْسِعَةٍ حَيْثُ جَعَلَ بِمُقَابَلَةِ الْجُزْءِ الْقَلِيلِ الْبَدَلَ الْكَثِيرَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ جَوَازُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ أَدْنَى عِلَّةٍ وَهُوَ احْتِبَاسُ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بُنِيَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَعُوِّلَ عَلَيْهِ.
(حِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَحْتَبِسَ الْمُشْتَرِي بِبَعْضِ الْأَمْتِعَةِ شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ يَبِيعَ الْبَاقِيَ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى فَيَجُوزُ وَيَكُونُ النُّقْصَانُ بِمُقَابَلَةِ مَا اُحْتُبِسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَهَبَهُ أَوْ يَحْتَبِسَ بَعْضَهُ نَحْوَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ جَوْهَرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْمَطْلُوبَ مِنْهُ مَعَ الْمَتَاعِ الَّذِي يُرِيدُ بَيْعَهُ شَيْئًا آخَرَ يَسِيرَ الْمِقْدَارِ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْبِسُ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ وَيَبِيعُ الْمَتَاعَ مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى وَيَكُونُ نُقْصَانُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَيَجُوزُ.
(حِيلَةٌ أُخْرَى) أَنْ يَهَبَ الْمُشْتَرِي