يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ مِنْ رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَلَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، ثُمَّ يَبِيعَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَيَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الْوَطْءِ بِاسْتِحْدَاثِ مِلْكِ الْيَمِينِ بِالشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَوَقْتِ الشِّرَاءِ كَانَ بُضْعُهَا حَرَامًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَجِبُ بَعْدَهُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى الَّذِي زَوَّجَهَا اسْتَبْرَأَهَا أَوَّلًا بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ زَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ يَكُونُ فِي هَذَا اجْتِمَاعُ الرَّجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِيمَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ يُزَوِّجَهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ الْبَائِعُ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ فَلَا بَأْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ إنَّ الْخَصَّافَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي تَعْلِيمِ هَذِهِ الْحِيلَةِ يَقْبِضُهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ، وَإِنَّمَا شُرِطَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ قَبَضَ الْمُشْتَرِي يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ وَعَلَيْهِ مَدَارُ الْأَحْكَامِ خُصُوصًا فِيمَا بُنِيَ أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فَكَذَا إذَا وُجِدَ الْقَبْضُ الَّذِي لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَيُشْتَرَطُ الطَّلَاقُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي.
لِهَذَا وَفِي بُيُوعِ الْأَصْلِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَفِي حِيَلِ الْأَصْلِ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَعَلَى رِوَايَةِ الْحِيَلِ اُعْتُبِرَ وَقْتُ الشِّرَاءِ وَوَقْتُ الشِّرَاءِ هِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الْغَيْرِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ اُعْتُبِرَ وَقْتُ الْقَبْضِ وَوَقْتُ الْقَبْضِ هِيَ فَارِغَةٌ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ أَبَى الْبَائِعُ أَنْ يُزَوِّجَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ مَا الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ الْحِيلَةُ: أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُشْتَرِي وَيَدْفَعَ الثَّمَنَ وَلَا يَقْبِضَ الْجَارِيَةَ وَلَكِنْ يُزَوِّجُهَا مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ وَلَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، ثُمَّ يَقْبِضُهَا بَعْدَ التَّزْوِيجِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَأَكَّدَ مِلْكُهُ فِيهَا كَانَ بُضْعُهَا حَرَامًا عَلَيْهِ وَحِينَ صَارَ بُضْعُهَا حَلَالًا لَهُ يَحْدُثُ الْمِلْكُ فِيهَا فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي هَذَا الْوَجْهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَاهَا فَقَدْ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ حُكْمًا لِحُدُوثِ الْمِلْكِ فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءَ الْوَاجِبَ بِالتَّزْوِيجِ وَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَاضَتْ حَيْضَةً بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ ذَاقَ مَرَارَةَ الِاسْتِبْرَاءِ مَرَّةً، فَإِنْ خَافَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا فِي طَلَاقِهَا كُلَّمَا شَاءَ مَوْلَاهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى إذَا تَزَوَّجَهَا، وَإِذَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ طَلَاقُهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي يَدِ الْمَوْلَى كُلَّمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ كُلَّمَا شَاءَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الْإِيقَاعُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ فَاخْتَارَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِيُمْكِنَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ مَتَى شَاءَ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي تَزَوَّجَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا الْفِرَاشُ فَإِنَّمَا اشْتَرَاهَا وَهِيَ فِي فِرَاشِهِ وَقِيَامُ الْفِرَاشِ لَهُ عَلَيْهَا دَلِيلُ فَرَاغِ رَحِمِهَا شَرْعًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.