مُنْذُ وَفَاةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْفُرْسُ فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْ الْمُؤَيَّدِ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ الْمُتَوَكِّلِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْفُرْسَ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِأَعْدَلَ مَلِكٍ كَانَ فِيهِمْ إلَى أَنْ اسْتَقَرَّ تَارِيخُهُمْ عَلَى هَلَاكِ يَزْدَجْرِدَ الَّذِي هُوَ آخِرُ مُلُوكِهِمْ وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِعَامِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ تَفَرُّقُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَخُرُوجِهِمْ عَنْ مَكَّةَ وَأَرَّخُوا بِعَامِ الْغَدْرِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، ثُمَّ أَرَّخُوا بِعَامِ الْفِيلِ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ التَّارِيخُ الْعَرَبِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى أَنْ جُعِلَ مِنْ أَوَّلِ سِنِّي الْهِجْرَةِ، وَكَانَ الْمُبْتَدِئُ بِهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ عَامِلَهُ عَلَى الْيَمَنِ قَدِمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَمَا تُؤَرِّخُونَ كُتُبَكُمْ فَأَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَبْتَدِئَ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ: بَلْ نَبْدَأُ بِوَقْتِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ رَأَوْا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ بَدَأَ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَكَانُوا قَدْ بَدَءُوا بِشَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ جَعَلُوا الِابْتِدَاءَ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالتَّوَارِيخُ الْعَرَبِيَّةُ، إنَّمَا هِيَ عَلَى اللَّيَالِيِ، وَإِنْ كَانَ تَوَارِيخُ سَائِرِ الْأُمَمِ عَلَى الْأَيَّامِ وَذَلِكَ أَنَّ سِنِي أُولَئِكَ تَجْرِي عَلَى أَمْرِ الشَّمْسِ وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ وَسُنُو الْعَرَبِ قَمَرِيَّةٌ.

(صَكُّ الْوَقْفِ عَلَى وُجُوهٍ شَتَّى) وَصُورَتُهُ هَذَا مَا وَقَفَ وَتَصَدَّقَ وَحَبَسَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ تَقَرُّبًا إلَى رَبِّهِ وَخَالِقِهِ وَتَوَسُّلًا إلَى إلَهِهِ وَرَازِقِهِ ذَخِيرَةً قَدَّمَهَا لِيَوْمِ حَشْرِهِ وَنَشْرِهِ يَوْمِ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء: 88] {إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] فَتَأَهَّبَ لِلرَّحِيلِ إلَى فِنَاءِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ وَتَزَوَّدَ لِلسَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَكَانَ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّهُ عَابِرُ سَبِيلٍ فَبَادَرَ وَاسْتَعَدَّ وَاجْتَهَدَ وَجَدَّ وَأَحَبَّ أَنْ يَنْخَرِطَ فِي عِدَادِ مَنْ لَا يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ إذَا انْتَهَى أَجَلُهُ عَلَى مَا قَالَ سَيِّدُ الْبَشَرِ وَصَاحِبُ اللِّوَاءِ فِي الْمَحْشَرِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ» الْحَدِيثَ وَتَعَرَّفَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرَّخَاءِ لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُ عَلَى دَفْعِ اللَّأْوَاءِ بِمَا هُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْجِنَانِ عَلَى مَا رَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَجِيءُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْقَانِ فَيَنْطَلِقُ الْمَعْرُوفُ بِأَهْلِهِ إلَى الْجَنَّةِ وَيَنْطَلِقُ الْمُنْكَرُ بِأَهْلِهِ إلَى النَّارِ وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ» فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ كَذَا عَنْ نِيَّةٍ خَالِصَةٍ وَطَوِيَّةٍ صَافِيَةٍ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ إلَّا أَنَّا نَذْكُرُ هَاهُنَا أَشْيَاءَ لَمْ نَذْكُرْهَا ثَمَّةَ لِيَكُونَ الْكَاتِبُ ذَا مُكْنَةٍ وَمَقْدِرَةٍ فِي كِتَابَةِ مَا يَقَعُ لَهُ فَنَقُولُ.

(إذَا أَرَادَ الْوَاقِفُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَقْفُ عَلَى أَوْلَادِهِ) يَكْتُبُ مَا كَتَبْنَاهُ إلَى أَنْ يَقُولَ فَمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّاتِهَا صُرِفَ إلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفِ الْمُتَصَدِّقِ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانَةُ أَبَدًا مَا تَوَالَدُوا وَتَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ لَا نَصِيبَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْبَطْنِ الْأَسْفَلِ مِنْهَا مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْبَطْنِ الْأَعْلَى فِي الْإِحْيَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ يَقُولُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي اسْتِحْقَاقِ النَّصِيبِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ لَا يُفَضَّلُ ذُكُورُهُمْ عَلَى إنَاثِهِمْ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَأَجْلَبُ لِلثَّوَابِ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا يَقُولُ، وَإِنْ انْقَرَضُوا وَتَفَانَوْا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ صُرِفَ مَا كَانَ مَصْرُوفًا إلَيْهِمْ إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَاوِيجِهِمْ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْوَاقِفُ الْمُتَصَدِّقُ هَذَا الْوَقْفَ وَهَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ يَدِهِ وَأَبَانَهَا عَنْ سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَأَسْبَابِهِ وَسَلَّمَهَا إلَى فُلَانٍ الْمُتَوَلِّي تَسْلِيمًا صَحِيحًا بَعْدَمَا جَعَلَهُ قَيِّمًا فِيهِ وَمُتَوَلِّيًا لِأُمُورِ هَذَا الْوَقْفِ، وَأَنَّهُ قَبَضَهَا مِنْهُ قَبْضًا صَحِيحًا بَعْدَمَا قَبِلَ مِنْهُ هَذِهِ التَّوْلِيَةَ وَالْقِوَامَةَ قَبُولًا صَحِيحًا إلَى آخِرِ مَا قُلْنَاهُ وَلَوْ زِدْت فِي صَرْفِ الْفَاضِلِ إلَى الْأَوْلَادِ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَغْنَى مِنْهُمْ حُرِمَ، فَإِنْ افْتَقَرَ عَادَ إلَيْهِ مَا كَانَ مَصْرُوفًا إلَيْهِ فَهُوَ أَحْسَنُ وَلَوْ لَمْ يَقِفْ عَلَى أَوْلَادِهِ.

وَلَكِنْ شَرَطَ الْفَاضِلَ لِنَفْسِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَأَرَادَ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ رَجُلٌ صَالِحٌ بَعْدَمَا حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ وَيُصْرَفَ إلَى وُجُوهٍ شَتَّى كَتَبْت، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثُ الْمَوْتِ الَّذِي لَا مَحِيصَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015