أَحَدٍ فَنَصَّبَ الْقَاضِي رَجُلًا وَصِيًّا فِي التَّرِكَةِ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا قَالُوا: أَمَّا الدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ فَلَا يَقْضِي إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ، وَأَمَّا الْمَهْرَانِ كَانَ النِّكَاحُ مَعْرُوفًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهَا، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ يَمْنَعُ عَنْهَا مِقْدَارَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ قَبْلَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُعَجَّلِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِيهِ نَوْعُ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَهْرِ كَانَ وَاجِبًا بِالنِّكَاحِ فَلَا يُقْضَى بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِإِبْطَالِ مَا كَانَ ثَابِتًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ هَلَكَ وَتَرَكَ مَالًا وَوَارِثًا وَاحِدًا فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَى الْوَارِثِ وَدَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا وَغَابَ الْوَارِثُ فَحَضَرَ لَهُ غَرِيمٌ آخَرُ فَإِنَّ الْغَرِيمَ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ الْأَوَّلُ هُوَ الْغَائِبُ فَأَحْضَرَ الثَّانِي وَارِثَ الْمَيِّتِ كَانَ خَصْمًا لَهُ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْوَارِثِ وَقَدْ تَوَى مَا أَخَذَهُ الْوَارِثُ رَجَعَ الْغَرِيمُ الثَّانِي عَلَى الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضَ مَا قَبَضَ ثُمَّ يَتْبَعَانِ الْوَارِثَ بِمَا بَقِيَ لَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ غَرِيمًا وَكَانَ مُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَقَبَضَهُ وَغَابَ الْوَارِثُ فَأَقَامَ الرَّجُلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا فَالْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ غَرِيمًا وَالثَّانِي مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ لَمْ يَكُنْ الْغَرِيمُ خَصْمًا لَهُ ذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ.
رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ تَرِكَتِهِ فَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ وَارِثَ الْمَيِّتِ فَقَدْ قِيلَ: الْوَارِثُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْغَرِيمِ، وَقِيلَ: يَكُونُ خَصْمًا وَيَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى تَرِكَةٌ مُسْتَغْرَقَةٌ كُلُّهَا بِالدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرُهَا ادَّعَى مُدَّعٍ آخَرُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْوَرَثَةِ وَأَصْحَابَ الدُّيُونِ لَا يَمِينَ عَلَى الْغُرَمَاءِ أَصْلًا، وَكَذَا لَا يَمِينَ عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ كُلُّ التَّرِكَةِ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَالْوَصِيُّ هُوَ الْخَصْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ وَلَا وَارِثٌ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ يَحْلِفُ الْوَارِثُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الْوَارِثَ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ تُسْمَعُ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي لَكِنْ لَا يُسْتَحْلَفُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهَانِ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -.
ادَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا وَوَصِيُّهُ غَائِبٌ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لِيُخَاصِمَ الْمُدَّعِيَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ حَاضِرًا وَأَقَرَّ لِلْمُدَّعِي بِالدَّيْنِ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ هَكَذَا ذَكَرَ الْفَضْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ.
وَفِي إقْرَارِ الْوَاقِعَاتِ إذَا أَقَرَّ وَصِيُّ الْمَيِّتِ أَنِّي قَبَضْت كُلَّ دَيْنٍ لِفُلَانٍ الْمَيِّتِ عَلَى النَّاسِ، فَجَاءَ غَرِيمٌ لِفُلَانٍ الْمَيِّتِ وَقَالَ لِلْوَصِيِّ: دَفَعْت إلَيْك كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الْوَصِيُّ: مَا قَبَضْت مِنْك شَيْئًا وَلَا عَلِمْت أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْك شَيْءٌ - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَصِيَّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: قَبَضْت كُلَّ دَيْنٍ لِفُلَانٍ بِالْكُوفَةِ أَوْ أَضَافَ إلَى مِصْرَ أَوْ سَوَادٍ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ، الْوَدِيعَةُ وَالْمُضَارَبَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَصِيٌّ أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَالُوا: إنْ كَانَ هَذَا الْوَصِيُّ وَارِثًا يَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعِبَادِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ لَهَا مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى.